للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيَّةُ: الوَكيلُ لا يَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ غيرَه مُستَقِلًّا على ما وُكِّلَ فيه بغيرِ رِضا مُوكِّلِه؛ لأنَّه لو أرادَ ذلك لاستَنابَ غيرَه مِنْ غيرِ واسِطةٍ، إلَّا أنْ يُوكِّلَه على بَيعِ شَيءٍ لا يَليقُ به، كالرَّجلِ الشَّريفِ المَعروفِ بالوَجاهةِ بينَ النَّاسِ، يُدفَعُ له الدَّابَّةُ لِيَبيعَها، أو ثَوبٌ، ونَحوُ ذلك؛ لأنَّ العُرفَ قاضٍ بأنَّه لا يُنادِي على ذلك بنَفْسِه في الأسواقِ، وإنَّما يَتوَلَّاه أربابُه مِنْ النَّخَّاسينَ والسَّماسِرةِ فيَجوزُ له أنْ يَستَنيبَ غيرَه لِلعُرفِ، أو يُوكِّلَه على شَيءٍ كَثيرٍ لا يُمكِنُه فِعلُ ذلك بنَفْسِه إلَّا بمَشقَّةٍ، فيَجوزَ له حينَئذٍ أنْ يَستَنيبَ مَنْ يُباشِرُ ذلك مَعه، لا أنْ يُوكِّلَه في جَميعِ ذلك استِقلالًا، بخِلافِ الأوَل، وهذا في الوَكيلِ المَخصوصِ، أمَّا المُفَوَّضُ فلا يُمنَعُ أنْ يُوكِّلَ مُطلَقًا على المَشهورِ.

وَبِسَبَبِ كَونِ الوَكيلِ له أنْ يُوكِّلَ في المَوضِعَيْنِ المَذكورَيْنِ لا يَنعزِلُ الوَكيلُ الثَّاني بسَبَبِ عَزلِ الوَكيلِ الأوَل أو مَوتِه أيضًا، كما لو وكَّل وَكيلًا بعدَ وَكيلٍ؛ فإنَّه لا يَنعزِلُ بمَوتِ الآخَرِ، ولا بعَزلِه، ويَنعزِلُ كُلٌّ مِنهُما بمَوتِ المُوكِّلِ الأوَل، ولِلمُوكِّلِ الأوَل عَزلُ كُلٍّ، كما أنَّ لِلوَكيلِ الأوَل عَزلَ وَكِيلِه.

وهذا إذا وكَّل بغيرِ إذْنِ المُوكِّلِ، أمَّا بإذْنِه، بأنْ قالَ: وكِّلْ لَكَ، انعزَل الثَّاني بعَزلِ الأوَل، وإنْ قالَ: وكِّلْ لي، فلا يَنعزِلُ الثَّاني بعَزلِ الأوَل؛ إذْ كِلاهُما إذًا وَكِيلٌ لِلمُوكِّلِ (١).


(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٧٠)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢١٠)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٥٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٦١)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٧٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>