فَذهَب جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ في المَشهورِ إلى أنَّه لا يَجوزُ له، وفي قَولٍ لِلحَنابِلةِ يَجوزُ على تَفصيلٍ.
ونَصَّ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيَّةُ والشَّافِعيَّةُ والحَنابِلةُ على أنَّه يَجوزُ له أنْ يُوكِّلَ غيرَه في ثَلاثِ صُورٍ أيضًا، وإنْ لَم يَنُصَّ له على التَّوكيلِ:
الصُّورةُ الأُولَى: أنْ يَكونَ العَملُ -مَحَلُّ الوَكالةِ- لا يَليقُ بالوَكيلِ، ويَتَرَفَّعُ الوَكيلُ عن القِيامِ بمِثلِه، كالأعمالِ الدَّنيئةِ في حَقِّ أشرافِ النَّاسِ المُتَرَفِّعينَ عن فِعلِها في العادةِ، كَبَيعِ دَابَّةٍ في سُوقٍ، أو ثَوبٍ، ونحوِ ذلك، فيَجوزُ له في هذه الحالةِ أنْ يُوكِّلَ مَنْ يَتعاطاه عندَ المالِكيَّةِ والشَّافِعيَّةِ في المَذهبِ والحَنابِلةِ؛ لأنَّ التَّفويضَ في مِثلِ هذه الحالةِ إنَّما يُقصَدُ مِنه الِاستِنابةُ؛ لأنَّ العُرفَ قاضٍ بأنَّه لا يُنادِي على ذلك بنَفْسِه في الأسواقِ، وإنَّما يَتوَلَّاه أربابُه مِنْ النَّخَّاسينَ والسَّماسِرةِ، فيَجوزُ له أنْ يَستَنيبَ غيرَه لِلعُرفِ، إلَّا أنَّ المالِكيَّةَ والشَّافِعيَّةَ قَيَّدوا هذا بما إذا عُلِمَ المُوكِّلُ بوَجاهَتِه، أو اشتُهِرَ الوَكيلُ بالوَجاهةِ؛ لأنَّ المُوكِّلَ حينَئذٍ مَحمولٌ على أنَّه عُلِمَ بها، ولا يُصدَّقُ في دَعواه أنَّه لَم يَعلَمْ، وإنْ لَم يَعلَمِ المُوكِّلُ بوَجاهَتِه، ولا اشتُهِرَ الوَكيلُ بها، فليسَ له التَّوكيلُ، فإنْ وكَّل وتَلِفَ المالُ ضَمِنه؛ لِتَعَدِّيهِ.
وفي قَولٍ لِلشَّافِعيةِ: لا يَجوزُ له التَّوكيلُ؛ لِإطلاقِ اللَّفظِ (١).
(١) «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٧٠)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٢١٠)، و «مواهب الجليل» (٧/ ١٥٩)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٢٦١)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٧٨)، و «الحاوي الكبير» (٦/ ٥١٨)، و «روضة الطالبين» (٣/ ٥٠٩)، و «مغني المحتاج» (٣/ ٢٠٧)، و «نهاية المحتاج» (٥/ ٤٤، ٤٥)، و «النجم الوهاج» (٥/ ٤٨، ٤٩)، و «حاشية قليوبي وعميرة على كنز الراغبين» (٢/ ٨٥٨، ٨٥٩)، و «الديباج» (٢/ ٣١٥، ٣١٦)، و «المغني» (٥/ ٥٦، ٥٧)، و «الشرح الكبير» (٥/ ٢٠٩، ٢١٠)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٤٣).