وَيَختَصُّ الوَكيلُ بخِيارِ مَجلِسٍ لَم يَحضُرْه المُوكِّلُ؛ لأنَّه مِنْ تَعلُّقِ العَقدِ، كَإيجابٍ وقَبولٍ؛ فَإنْ حضَره المُوكِّلُ فالأمْرُ له، إنْ شاءَ حَجَرَ على الوَكيلِ فيه، أو أبْقاه له، مَع كَونِه يَملِكُهُ؛ لأنَّ الخِيارَ له حَقيقةً (١).
وذهَب الحَنفيَّةُ إلى أنَّ حُقوقَ العَقدِ على ضَربَيْنِ:
الأوَّلُ: كلُّ ما يَصحُّ لِلوَكيلِ إضافَتُه إلى نَفْسِه، ويُستَغنَى عن إضافَتِه إلى المُوكِّلِ، مثلَ البَيعِ والشِّراءِ والإجارةِ ونحوِها، فحُقوقُ ذلك العَقدِ تَتعلَّقُ بالوَكيلِ دونَ المُوكِّلِ؛ إذْ يَكفي أنْ يَقولَ الوَكيلُ: بِعتُ واشترَيتُ وآجَرتُ وصالَحتُ؛ لأنَّ الوَكيلَ في هذا الضَّربِ هو العاقِدُ حَقيقةً؛ لأنَّ العَقدَ يَقومُ بكَلامِه، وكذا حُكمًا؛ لأنَّه يُستَغنَى عن إضافةِ العَقدِ إلى المُوكِّلِ، ولو كانَ سَفيرًا عنه لَمَا استَغنَى عن ذلك، كالرَّسولِ، وإذا كانَ كَذلك كانَ أصيلًا في الحُقوقِ، وتَتعلَّقُ به، ولِهذا يُسلِّمُ المَبيعَ ويَقبِضُ الثَّمَنَ، ويُطالِبُ بالثَّمَنِ إذا اشترَى، ويَقبِضُ المَبيعَ ويُخاصِمُ في العَيبِ، ويُخاصَمُ فيهِ؛ لأنَّ كلَّ ذلك مِنْ الحُقوقِ، والمِلْكُ يَثبُتُ لِلمُوكِّلِ خِلافةً عَنه، اعتِبارًا لِلتَّوكيلِ السَّابِقِ.
ولو وكَّل رَجُلًا بالبَيعِ والشِّراءِ على ألَّا تَتعلَّقَ به الحُقوقُ لا يَصحُّ هذا الشَّرطُ.
وهذا في الوَكيلِ، أمَّا الرَّسولُ فلا تَرجِعُ الحُقوقُ إليه، ولو ادَّعى أنَّه
(١) «المغني» (٥/ ٨٢)، و «المبدع» (٤/ ٣٨٧)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٥٠، ٥٥١)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥١٩، ٥٢٠)، و «الروض المربع» (٢/ ٦٤)، و «مطالب أولي النهى» (٣/ ٤٦٢).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute