للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمَعلومٌ أنَّ سَيِّدَنا عِلِيًّا لَم يَكُنْ ممَّن يَرفُضُ أحَدٌ تَوكيلَه، فكانَ تَوكيلُه برِضَا الخَصمِ، فدَلَّ على الجَوازِ برِضَا الخَصمِ، واختُلِفَ في جَوازِه بغيرِ رِضَا الخَصمِ.

قالَ أبو حَنيفةَ: لا يَجوزُ مِنْ غيرِ عُذرِ المَرَضِ والسَّفَرِ، وقالَ أبو يُوسفَ ومُحمَّدٌ: يَجوزُ في الأحوالِ كلِّها، وهو قَولُ الشَّافِعيِّ .

وذكَر الجَصَّاصُ أنَّه لا فَصلَ في ظاهِرِ الرِّوايةِ بينَ الرَّجلِ والمَرأةِ والبِكرِ والثَّيِّبِ، لكنَّ المُتَأخِّرينَ مِنْ أصحابِنا استَحسَنوا في المَرأةِ إذا كانَتْ مُخَدِّرةً غيرَ بَريزةٍ أنها يَجُوزُ تَوكيلُها، وهذا استِحسانٌ في مَوضِعِه.

وقالَ ابنُ أبي لَيلَى: لا يَجوزُ إلَّا تَوكيلُ البِكرِ، وهذا غيرُ سَديدٍ؛ لِمَا ذُكِرَ.

وَجهُ قَولهم: إنَّ التَّوكيلَ بالخُصومةِ صادَفَ حَقَّ المُوكِّلِ، فلا يَقِفُ على رِضا الخَصمِ، كالتَّوكيلِ باستِيفاءِ الدَّيْنِ، ودِلالةُ ذلك أنَّ الدَّعوَى حَقُّ المُدَّعِي، والإنكارَ حَقُّ المُدَّعَى عليه، فقَد صادَفَ التَّوكيلُ مِنْ المُدَّعِي والمُدَّعَى عليه حَقَّ نَفْسِه، فلا يَقِفُ على رِضا خَصمِه، كما لو كانَ خاصَمَه بنَفْسِه.

وَلأبي حَنيفةَ أنَّ الحَقَّ هو الدَّعوَى الصَّادِقةُ والإنكارُ الصَّادِقُ، ودَعوَى المُدَّعِي خَبَرٌ يَحتَمِلُ الصِّدقَ والكَذِبَ والسَّهوَ والغَلَطَ، وكذا إنكارُ المُدَّعَى عليه، فلا يَزدادُ الِاحتِمالُ في خَبَرِه بمُعارَضةِ خَبَرِ المُدَّعِي، فلَم يَكُنْ كلُّ ذلك حَقًّا، فكانَ الأصلُ ألَّا يَلزَمَ به جَوابٌ، إلَّا أنَّ الشَّرعَ ألزَمَ الجَوابَ

<<  <  ج: ص:  >  >>