للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنابِلةُ: إذا قالَ المُوكِّلُ لِوَكيلِه: «كلَّما عَزَلتُكَ فقَد وَكَّلتُكَ» فهذه وَكالةٌ دَوريَّةٌ، سُمِّيتْ دَوريَّةً لِدَوَرانِها على العَزلِ، فكلَّما عزَله عادَ وَكيلًا، وهي صَحيحةٌ؛ لأنَّ تَعليقَ الوَكالةِ صَحيحٌ.

وَيَنعزِلُ الوَكيلُ في الوَكالةِ الدَّوريةِ بقَولِ المُوكِّلِ: عَزَلتُكَ، وكلَّما وَكَّلتُكَ فقَد عَزَلتُكَ فَقط دونَ عَزَلتُكَ، فلا يَنعزِلُ بها، وقَولُه: كلَّما وَكَّلتُكَ فقَد عَزَلتُكَ، فَسخٌ مُعلَّقٌ بشَرطٍ، وهو التَّوكيلُ، والفَسخُ المُعلَّقُ صَحيحٌ، وعلى هذا لا يَصيرُ وَكيلًا إذا وكَّله بعدَ العَزلِ الدَّوريِّ؛ لأنَّه متى صارَ وَكيلًا انعزَل، فلَو قالَ له بعدَ ذلك: وَكَّلتُكَ في كذا، لَم يَصحَّ تَصرُّفُه؛ لِوُجودِ العَزلِ المُعلَّقِ بوُجودِ الوَكالةِ (١).

وذهَب شَيخُ الإسلامِ ابنُ تَيميَّةَ إلى أنَّه لا تَصحُّ الوَكالةُ الدَّوريةُ؛ لأنَّها تُؤَدِّي إلى أنْ تَصيرَ العُقودُ الجائِزةُ لَازِمةً، وذلك تَغييرٌ لِقاعِدةِ الشَّرعِ، وليسَ مَقصودُ المُعَلِّقِ إيقاعَ الفَسخِ، وإنَّما قَصدُه الِامتِناعُ مِنْ التَّوكيلِ وحَلُّه قبلَ وُقوعِه، والعُقودُ لا تُفسَخُ قبلَ انعقادِها (٢).


(١) «المبدع» (٤/ ٣٦٣)، و «الإنصاف» (٥/ ٣٦٨)، و «كشاف القناع» (٣/ ٥٤٦)، و «شرح منتهى الإرادات» (٣/ ٥١٨، ٥١٩).
(٢) «القواعد» لابن رجب (٣٠٨)، و «المبدع» (٤/ ٣٦٣)، و «الإنصاف» (٥/ ٣٦٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>