للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بوُجوبِ الحُكمِ بالبِشارةِ مُطلَقًا؛ مُراعاةً لِلمَصالِحِ العامَّةِ، وخَوفًا مِنْ ضَياعِ أموالِ المُسلِمينَ بكِتمانِ الضَّوالِّ والمَسروقِ. قالَ: وقَد نَصَّ العُلماءُ على أنَّ الفَتوَى دائِرةٌ على مُقتَضَى الحالِ، وحيثُ أُخِذَتِ البِشارةُ مِنْ المَسروقِ له، فإنَّه يَرجِعُ بها على السَّارِقِ؛ لأنَّه ظالِمٌ تَسَبَّبَ في إغرامِ رَبِّ البِشارةِ. قُلتُ: وهذه الفَتوَى جاريةٌ على ما تَقدَّم عن ابنِ سِراجٍ وغيرِه مِنْ رَعْيِ المَصالِحِ، وعلى مُقتَضاها عامَّةُ المُسلِمينَ اليَومَ؛ فلا يَستَطيعُ أنْ يَرُدَّهم عن كِتمانِ الضَّوالِّ رَادٌّ إنْ لَم يَأخُذوا البِشارةَ، واللَّهُ أعلَمُ (١).

وقالَ الحَنابِلةُ: وإنْ كانَتِ الضَّالَّةُ بيَدِ إنسانٍ فجعَل له مالِكُها جُعلًا لِيَرُدَّها، لَم يُبَحْ له أخْذُه؛ لأنَّه يَجِبُ عليه أنْ يَرُدَّها عليه (٢).

وقالَ الشَّافِعيَّةُ: لو قالَ: «مَنْ رَدِّ مالي فله كذا» فرَدَّه مَنْ كانَ في يَدِه نُظر: إنْ كانَ في رَدِّه كُلْفةٌ كالآبِقِ استَحقَّ الجُعْلَ، وإنْ لَم يَكُنْ كالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ فلا؛ لأنَّ ما لا كُلْفةَ فيه لا يُقابَلُ بالعِوَضِ.

ولو قالَ: «مَنْ دَلَّني على مالي فله كذا» فدَلَّه مَنِ المالُ في يَدِه لَم يَستحقَّ شَيئًا؛ لأنَّ ذلك واجِبٌ عليه شَرعًا؛ فلا يَأخُذُ عليه عِوَضًا.

وإنْ كانَ في يَدِ غيرِه فدَلَّه عليه استَحقَّ؛ لأنَّ الأغلَبَ أنَّه يَلحَقُه مَشقَّةٌ بالبَحثِ عَنهُ (٣).


(١) «البهجة في شرح التحفة» (٢/ ٣١٢، ٣١٣).
(٢) «كشاف القناع» (٤/ ٢٤٨)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٢٠٩).
(٣) «روضة الطالبين» (٤/ ٩٠، ٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>