للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَسمَعِ الجُعْلَ، ولَم يَطلُبِ العَبدَ، وهو القَولُ الذي حَكَى ابنُ حَبيبٍ، وبِاللَّهِ التَّوفيقُ (١). ولَم يُذكَرْ هذا التَّفصيلُ المَعروفُ عندَ المالِكيَّةِ.

وأمَّا الحَنابِلةُ فقالوا: مَنْ رَدَّ لُقَطَةً أو ضالَّةً أو عمِل لِغيرِه عَملًا بغيرِ جُعلٍ ولا إذْنٍ، لَم يَستحقَّ عِوَضًا؛ لأنَّه بذَل مَنفعةً مِنْ غيرِ عِوَضٍ، فلَم يَستحقَّهُ؛ ولِئَلَّا يُلزَمَ الإنسانُ ما لَم يَلتزِمْه، ولَم تَطِبْ به نَفْسُه، إلَّا في مَسألَتَيْنِ:

الأُولَى: أنْ يُخَلِّصَ مَتاعَ غيرِه مِنْ مَهلَكةٍ، كَغَرَقٍ وفَمِ سَبُعٍ وفَلاةٍ يُظَنُّ هَلاكُه في تَرْكِه فيها، فله أُجرةُ مِثلِه؛ تَرغيبًا، وإنْ لَم يَأذَنْ له رَبُّه؛ لأنَّه يُخشَى هَلاكُه وتَلَفُه على مالِكِه، وفيه حَثٌّ وتَرغيبٌ في إنقاذِ الأموالِ مِنْ التَّهلُكةِ.

والأُخرى: أنْ يَرُدَّ رَقيقًا آبِقًا لِسيِّدِه؛ فله ما قدَّره الشَّارِعُ، وهو دِينارٌ، أو اثنا عَشَرَ دِرهَمًا، رُوِيَ عن عُمرَ وعَلِيٍّ وابنِ مَسعودٍ؛ لقولِ ابنِ أبي مُلَيكةَ وعَمرِو بنِ دِينارٍ: «إنَّ النَّبيَّ جعَل في رَدِّ الآبِقِ إذا جاءَ به خارِجًا مِنْ الحَرَمِ دِينارًا» (٢).

وَيَرجِعُ رادُّ الآبِقِ بنَفقَتِه أيضًا؛ لأنَّه مَأذونٌ في الإنفاقِ شَرعًا؛ لِحُرمةِ النَّفْسِ، ومَحَلُّه إنْ لَم يَنْوِ التَّبرُّعَ، ولو هرَب مِنه في الطَّريقِ، وإنْ ماتَ السَّيِّدُ رجَع في تَرِكَتِه، وعُلِمَ مِنه جَوازُ أَخْذِ الآبِقِ لمَن وجَده، وهو أمانةٌ بيَدِه، ومَنِ ادَّعاه فصدَّقه العَبدُ أخَذَه، فإنْ لَم يَجِدْ سَيِّدَه دفَعه إلى الإمامِ أو نائِبِه؛


(١) «البيان والتحصيل» (٨/ ٤٦٧).
(٢) حَدِيثٌ ضَعِيفٌ: رواه البيهقي (٦/ ٢٠٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>