قالَ القاضي عَبدُ الوَهَّابِ ﵀: مَنْ جاءَ بآبِقٍ أو شارِدٍ، ابتِداءً، ثم طَلبَ الأجْرَ، فإنْ كانَ ذلك شَأنَه وعادَتَه، ويُعلَمُ أنَّه يَتكَسَّبُ به، فله أُجرةُ مِثْلِه بقَدْرِ تَعَبِه وسَفَرِه، وتَكلُّفِ طَلَبِه -خِلافًا لِأبي حَنِيفَةَ والشَّافِعيِّ في قَولهما إنَّه مُتَطوِّعٌ، لا شَيءَ له-؛ لأنَّ مَنافِعَه فيما لو أضاعَه رَبُّه لَعُدَّ سَفَهًا مِنه يُوجِبُ له الأجْرَ عليها، أصْلُه لو سقَط مِنْ مَوضِعٍ عالٍ، أو وقَع في بِئرٍ، فأخرَجَه، فأثبَتَ ذلك، فله أجْرُ مِثلِه؛ لأنَّه ليسَ هُناكَ مُسَمًّى، فإنْ أبَى صاحِبُ العَبدِ أنْ يَدفعَ إليه، خَلَّى بينَه وبينَ العَبدِ؛ لأنَّ امتِناعَه مِنْ ذلك رِضًا بإسلامِ العَبدِ، وإنْ عُلِمَ أنَّ ذلك ليسَ مِنْ شَأنِه، فعادَتُه أنَّه يَترفَّعَ عن مِثلِه، وإنَّما فَعلَه على وَجْهِ الحِسبةِ واكتِسابِ المَوَدَّةِ، فليسَ له أُجرةٌ إنْ طَلبَها؛ لأنَّ دَعواه لِذلك تُنافي ظاهِرَ حالِه، فكَأنَّه نَدِمَ فاستَدرَكَ ندَمه، ولا يَستحقُّ شَيئًا (١).
إلَّا أنِّي وَجَدتُ ابنَ رُشدٍ ﵀ قالَ: لا اختِلافَ في أنَّه لا حَقَّ في الجُعْلِ لمَن وجَد العَبدَ قبلَ أنْ يُجعَلَ فيه الجُعْلُ؛ إذْ قَدْ وجَب عليه رَدُّه إلى صاحِبِه قبلَ أنْ يُجعَلَ فيه الجُعْلُ، واختُلِفَ فيمَن وجَده بعدَ أنْ جُعِلَ فيه الجُعْلُ على قولَيْنِ، أحَدُهما: أنَّه لا شَيءَ له فيه، إلَّا أنْ يَسمَع الجُعْلَ ويَطلُبَ العَبدَ، وهو قَولُ ابنِ القاسِمِ. والآخَرُ: أنَّ الجُعْلَ يَكونُ له، وإنْ لَم