يُتصوَّرُ في المَنفَعةِ والأُجرةِ المَملوكةِ؛ فإنَّه في الِابتِداءِ كانَ واقِعًا لِغَيرِ العاقِدِ، وبَقيَ بعدَ المَوتِ كذلك (١).
وليسَ هذا كمَن زَوَّجَ أَمَتَهُ، ثم ماتَ؛ فإنَّ النِّكاحَ لا يَبطُلُ بخِلافِ الإجارةِ؛ لأنَّ عَقدَ النِّكاحِ لا يَقَعُ على المَنافِعِ، وإنَّما يَقَعُ على مِلْكِ الِاستِباحةِ، وذلك يُملَكُ بالعَقدِ.
وَلَو ماتَ أحَدُ المُتعاقدَيْنِ، وفي الأرضِ زَرعٌ لَم يُستَحصَدْ، فلِلمُستَأجِرِ أو وَرثَتِه أنْ يدَّعُوا ذلك في الأرضِ، ويَكونَ عليهم ما سُمِّيَ مِنْ الأُجرةِ، ولا يُشبِهُ هذا إذا انقَضَتِ المدَّةُ، وفي الأرضِ زَرعٌ لَم يُستَحصَدْ، فإنَّ الزَّرعَ يُترَكُ
(١) قال البابرتي في «العناية شرح الهداية» (١٢/ ٤٦٦، ٤٦٧): وَنوقِضَ بما إذا استَأجَرَ دابَّةً إلى مَكانٍ مُعَيَّنٍ فماتَ صاحِبُ الدَّابَّةِ في وَسَطِ الطَّريقِ، فإنَّ لِلمُستَأجِرِ أنْ يَركَبَ الدَّابَّةً إلى المَكانِ المُسَمَّى بالأجْرِ، فقَد ماتَ أحَد المُتَعاقِدَيْنِ، وقَد عَقَدَ لِنَفسِه ولَم يَنفَسِخِ العَقدُ. وَأُجيبُ بأنَّ ذَلِكَ لِلضَّرورةِ، فإنَّه يَخافُ على نَفسِه ومالِه؛ حَيثُ لا يَجِدُ دابَّةً أُخرَى في وَسَطِ المَفازةِ، ولا يَكونُ ثَمَّةَ قاضٍ يَرفَعُ الأمرَ إلَيه فيَستَأجِرَ الدَّابَّةَ مِنه، حتى قالَ بَعض مَشايِخِنا: إنْ وُجِدَ ثَمَّةَ دابَّةٌ أُخرَى يَحمِلُ عليها مَتاعَه تَنتَقِضُ الإجارةُ، وكَذا لَو ماتَ في مَوضِعٍ فيه قاضٍ تَنتَقِضُ الإجارةُ؛ لِأنَّه لا ضَرورةَ إلى إبقاءِ الإجارةِ مَعَ وُجودِ ما يُنافِي البَقاءَ، وهو مَوتُ المُؤَجِّرِ، وإذا ثَبَتَتِ الضَّرورةُ كانَ عَدَمُ الِانفِساخِ بالِاستِحسانِ الضَّروريِّ، والمُستَحسَنُ لا يُورِدُ نَقضًا على القِياسِ، كَتَطهيرِ الحِياضِ والأوانِي، ونُقِضَ بما إذا ماتَ المُوَكِّلُ فإنَّه تَنفَسِخُ الإجارةُ، ولَم يَعقِدْ لِنَفسِه، ولَيسَ بلازِمٍ، فإنَّا قَدْ قُلْنا: كلَّما ماتَ العاقِد لِنَفسِه انفَسَخَ، ولَم يُلتزَمْ بأنَّ كلَّ ما انفَسَخَ يَكونُ بمَوتِ العاقِدِ؛ لِأنَّ العَكسَ غَيرُ لازِمٍ في مِثْلِه. وَوَجْهُ نَقضِه: هو أنَّ المَعنَى الَّذي انفَسَخَ العَقدُ لِأجلِه إذا ماتَ العاقِدُ لِنَفسِه، وهو ضَرورةُ المَنفَعةِ المَملوكةِ، أو الأُجرةِ المَملوكةِ لِغَيرِ مَنْ عُقِدِ لَه مُستحَقَّةٌ بالعَقدِ مَوجودةٌ فيه، فالفَسخُ لِأجلِه.