ﷺ في ذلك مِنْ الإباحةِ في هَذا؛ إنَّما كانَ بَعدَما نَهاه عنه نَهيًا عامًّا مُطلَقًا، على ما في الآثارِ الأُوَلِ، وفي إباحةِ النَّبيِّ ﷺ أنْ يُطعِمَه الرَّقيقَ أوِ النَّاضِحَ دَليلٌ على أنَّه لَيسَ بحَرامٍ، ألَا تَرى أنَّ المالَ الحَرامَ الذي لا يَحِلُّ أكْلُه لا يَحِلُّ له أنْ يُطعِمَه رَقيقَه، ولا ناضِحَه؛ لأنَّ رَسولَ اللَّهِ ﷺ قالَ في الرَّقيقِ:«أطعِموهم ممَّا تَأكُلونَ»، فلَمَّا ثبَتَ إباحةُ النَّبيِّ لِمُحَيِّصَةَ أنْ يَعلِفَ ذلك ناضِحَه، ويُطعِمَ رَقيقَه مِنْ كَسْبِ حِجامِه، دَلَّ ذلك على نَسخِ ما تَقدَّمَ مِنْ نَهْيِه عن ذلك، وثبَتَ حِلُّ ذلك له ولِغَيرِه، وهذا قولُ أبي حَنيفَةَ، وأبي يُوسفَ، ومُحمَّدٍ رَحمةُ اللَّهِ عليهم، وهذا هو النَّظَرُ عِندَنا أيضًا؛ لأنَّا قد رَأيْنا الرجُلَ يَستَأجِرُ الرجُلَ يَفصِدُ له عَرقًا، أو يَبزُغُ له حِمارًا، فيَكونُ ذلك جائِزًا، والِاستِئجارُ على ذلك جائِزٌ؛ فالحِجامةُ أيضًا كذلك، وقَد رُوِي في ذلك أيضًا عَمن بعدَ رَسولِ اللَّهِ ﷺ عن موسَى بنِ عَلِيِّ بنِ رَباحٍ اللَّخميِّ عن أبيه قالَ: كُنْتُ عندَ عَبدِ اللَّهِ بنِ العَبَّاسِ ﵄، فأتَتْهُ امرَأةٌ، فقالَتْ لَهُ: إنَّ لي غُلامًا حَجَّامًا، وإنَّ أهلَ العِراقِ يَزعُمونَ أنِّي آكُلُ ثَمنَ الدَّمِ. فقالَ لَها عَبدُ اللَّهِ بنُ عَبَّاسٍ: لَقَدْ كَذَبوا، إنَّما تَأكُلِينَ خَراجَ غُلامِكِ.
وَعَنْ رَبيعةَ بنِ أبي عَبدِ الرَّحمَنِ: الرَّأيُ أنَّ الحَجَّامِينَ قد كانَ لَهُمْ سُوقٌ على عَهدِ عُمرَ بنِ الخطَّابِ.