للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَسولُ اللَّهِ بصَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وكَلَّمَ مَوَالِيَهُ لِيُخفِّفُوا عنه مِنْ غَلَّتِه شَيئًا، فَفَعَلوا ذلك» (١).

قالَ ابنُ عَبدِ البَرِّ : هذا يَدلُّ على أنَّ كَسبَ الحَجَّامِ طَيِّبٌ؛ لأنَّ رَسولَ اللهِ لَا يَجعَلُ ثَمنًا ولا جُعلًا ولا عِوضًا لِشَيءٍ مِنْ الباطِلِ، وحَديثُ أنَسٍ هذا ناسِخٌ لِمَا حرَّمَه النَّبِيُّ مِنْ ثَمنِ الدَّمِ، وناسِخٌ لِمَا كَرِهَه مِنْ إجارةِ الحَجَّامِ (٢).

وعن مُحمَّدِ بنِ سَهْلِ بنِ أبي حَثْمَةَ عن مُحَيِّصَةَ بنِ مَسعودٍ الأَنْصَاريِّ: «أنَّه قد كانَ له غُلامٌ حَجَّامٌ، يُقالُ له: نافِعٌ، وأبو طَيبَةَ، فَانطَلَقَ إلى رَسولِ اللَّهِ ، فسَأَلَهُ عن خَرَاجِهِ، فقالَ: لا تَقْرَبَنَّهُ. فرَدَّ ذلك على رَسولِ اللَّهِ ، فقالَ: اعْلِفْ بهِ النَّاضِحَ، اجعَلُوهُ في كِرشِهِ».

وعنِ ابنِ شِهابٍ عن حَرَامِ بنِ سَعدِ بنِ مُحيِّصَةَ عن المُحَيِّصَةِ، -رَجُلٌ مِنْ بَنِي حارِثَةَ- أنَّه: «قد كانَ له حَجَّامٌ، واسْمُ الرجُلِ المُحَيِّصَةُ، سأَلَ رَسُولَ اللَّهِ عن ذلك، فنَهَاهُ أنْ يَأْكُلَ كَسْبَهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، ثمَّ عادَ فنَهَاهُ، فلَم يَزَلْ يُراجِعُهُ حتى قالَ له رَسولُ اللَّهِ : اعْلِفْ كَسْبَهُ ناضِحَكَ، وأَطْعِمْهُ رَقِيقَكَ» (٣)؛ فَفي هذه الآثارِ إباحةُ كَسْبِ الحَجَّامِ.

قالَ الطَّحاويُّ : فدَلَّ ما ذَكَرْنا على أنَّ ما كانَ مِنْ رَسولِ اللَّهِ


(١) رَواه الطَّحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٣١).
(٢) «التمهيد» (٢/ ٢٢٤)، و «الاستذكار» (٨/ ١٥١)، و «تفسير القرطبي» (٦/ ١٨٤).
(٣) رَواه الطَّحاوي في «شرح معاني الآثار» (٤/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>