الحَجِّ؛ فإنِ استَأجَرَ رَجُلٌ رَجُلًا لِيَحُجَّ عنه، أو عن مَيِّتٍ، لَم يَصحَّ؛ لأنَّ الحَجَّ مِنْ عِباداتِ الأبدانِ، فوجبَ ألَّا تَصحَّ النِّيابةُ فيهِ؛ كالصَّلاةِ والصِّيامِ، ولأنَّها عِبادةٌ يَتعيَّنُ عليه فِعلُها بالدُّخولِ فيها، فوجبَ ألَّا تَصحَّ الإجارةُ عليها، ولا النِّيابةُ فيها، كالجِهادِ.
وَلأنَّ الحَجَّ قُربةٌ إلى اللَّهِ، ولا يَصحُّ أنْ يَعمَلَه غيرُ المُتقَرِّبِ به، وبِالإجماعِ على أنَّه لا يَجوزُ أنْ يُستَأجَرَ الذِّميُّ لِيَحُجَّ عن مُسلِمٍ، وذلك لأنَّه قُربةٌ لِلمُسلِمِ.
قالَ الحَنفيَّةُ: والأصْلُ فيه أنَّ كلَّ شَيءٍ جازَ أنْ يُستَأجَرَ الكافِرُ عليه، جازَ أنْ يُستَأجَرَ عليه المُسلِمُ، وما لا فلا. فكلُّ طاعةٍ يَختَصُّ بها المُسلِمُ؛ فالِاستِئجارُ عليها باطِلٌ.
وَإذا ثبَتَ أنَّ الِاستِئجارَ على الحَجِّ لا يَجوزُ؛ قُلْنا: العَقدُ الذي لا جَوازَ له بحالٍ يَكونُ وُجودُه كَعَدَمِه، وإذا سقطَ اعتِبارُ العَقدِ بَقيَ أمرُه بالحَجِّ؛ ويَكونُ له نَفَقةُ مِثلِه في مالِه، فلَوِ استُؤجِرَ على الحَجِّ ودُفِعَ إليه الأجْرُ فحَجَّ عن المَيِّتِ؛ فإنَّه يَجوزُ عن المَيِّتِ في الأصَحِّ -خِلافًا لِصاحِبِ الدُّر المُختار-، ولَه مِنْ الأجْرِ مِقدارُ نَفَقةِ الطَّريقِ في الذَّهابِ والمَجيءِ، ويُرَدُّ الفَضلُ على الوَرثةِ؛ لأنَّه لا يَجوزُ الِاستِئجارُ عليه، ولا يَحِلُّ له أنْ يَأخُذَ الفَضلَ لِنَفْسِه، إلَّا إذا تَبرَّعَ الوَرثةُ به، وهُم مِنْ أهلِ التَّبرُّعِ، أو أوصَى المَيِّتُ بأنَّ الفَضلَ لِلحاجِّ (١).
(١) «مختصر اختلاف العلماء» (٢/ ٢٢٨)، و «المبسوط» (٤/ ١٥٨، ١٥٩)، (١٦/ ٣٧)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٣٦١)، و «البحر الرائق» (٣/ ٧٣)، و «ابن عابدين» (٢/ ٦٠١، ٦٠٢)، و «تنقيح الفتاوى الحامدية» (٥/ ٤١٨، ٤١٩)، و «الهندية» (١/ ٢٦٤)، و «المغني» (٣/ ٩٣، ٩٤)، و «الشرح الكبير» (٣/ ١٨٠، ١٨٢)، و «كشاف القناع» (٤/ ١٣)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤١)، و «منار السبيل» (٢/ ٢١٧).