على مُجرَّدِ التِّلاوةِ لَم يَقُلْ به أحَدٌ مِنْ الأئِمَّةِ وإنَّما تَنازَعوا في الِاستِئجارِ لِلتَّعليمِ. انتَهَى بحُروفِه.
وَمِمَّنْ صَرَّحَ بذلك أيضًا الإمامُ البِرْكَويُّ في آخِرِ الطَّريقةِ المُحمَّديةِ، فقالَ: الفَصلُ الثَّالث في أُمورٍ مُبتَدَعةٍ باطِلةٍ أكَبَّ النَّاسُ عليها على ظَنٍّ أنَّها قُرَبٌ مَقصودةٌ … ومِنها الوَصيَّةُ مِنْ المَيِّتِ باتِّخاذِ الطَّعامِ والضِّيافةِ يَومَ مَوتِه أو بَعدَه، وبِإعطاءِ دَراهِمَ لِمَنْ يَتْلو القُرآنَ لِرُوحِه، أو يُسَبِّحُ أو يُهَلِّلُ لَه، وكلُّها بِدَعٌ مُنكَراتٌ باطِلةٌ، والمَأخوذُ مِنها حَرامٌ لِلآخِذِ، وهو عاصٍ بالتِّلاوةِ والذِّكرِ لِأجْلِ الدُّنيا. اه، مُلَخَّصًا، وذُكِرَ أنَّ له فيها أربَعَ مَسائِلَ.
فَإذا عَلِمتَ ذلك ظَهرَ لَكَ حَقيقةُ ما قُلناه، وأنَّ خِلافَه خارِجٌ عن المَذهبِ وعَما أفتَى به البَلْخِيُّونَ، وما أطبَقَ عليه أئِمَّتُنا مُتونًا وشُروحًا وفَتاوَى، ولا يُنْكِرُ ذلك إلَّا غِمْرٌ مُكابِرٌ، أو جاهِلٌ لا يَفهَمُ كَلامَ الأكابِرِ، وما استَدَلَّ به بَعضُ المُحَشِّينَ على الجَوازِ بحَديثِ البُخاريِّ في اللَّديغِ فهو خَطَأٌ؛ لأنَّ المُتقدِّمينَ المانِعينَ الِاستِئجارَ مُطلَقًا جَوَّزوا الرُّقيةَ بالأُجرةِ، ولَو بالقُرآنِ، كَما ذكرَه الطَّحاويُّ؛ لأنَّها لَيسَتْ عِبادةً مَحضةً، بَلْ مِنْ التَّداوي.
وَما نُقِلَ عن بَعضِ الهَوامِشِ وعُزِّيَ إلى الحاوي الزَّاهِديِّ مِنْ أنَّه لا يَجوزُ الِاستِئجارُ على الخَتْمِ بأقَلَّ مِنْ خَمسةٍ وأربَعينَ دِرهَمًا فخارِجٌ عَما اتَّفقَ عليه أهلُ المَذهبِ قاطِبةً.
وَحينئذٍ ظَهرَ لَكَ بُطلانُ ما أكَبَّ عليه أهلُ العَصرِ مِنْ الوَصيَّةِ بالخَتماتِ والتَّهاليلِ مع قَطعِ النَّظَرِ عَما يَحصُلُ فيها مِنْ المُنكَراتِ التي لا يُنكِرُها إلَّا