. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
= تَتصدَّقُ به؟ قيلَ: هَذا يَنبَنِي على قاعِدةٍ عَظيمةٍ مِنْ قَواعِدِ الإسلامِ، وهي أنَّ مَنْ قَبَضَ ما لَيسَ لَه قَبْضُه شَرعًا، ثُمَّ أرادَ التَّخلُّصَ مِنه فإنْ كانَ المَقبوضُ قَدْ أُخِذَ بغَيرِ رِضَا صاحِبِه ولا استَوفَى عِوَضَه، رَدَّه عليه، فإنْ تَعذَّرَ رَدُّه عليه قَضَى به دَيْنًا يَعلَمُه عليه، فإنْ تَعذَّرَ ذلك ردَّه إلى وَرثَتِه، فإنْ تَعذَّرَ ذَلِكَ تَصدَّقَ به عنه، فإنِ اختارَ صاحِبُ الحقِّ ثَوابَه يومَ القِيامةِ كانَ لَه، وإنْ أبَى إلَّا أنْ يَأخُذَ مِنْ حَسَناتِ القابِضِ استَوفَى مِنه نَظيرَ مالِه، وكانَ ثَوابُ الصَّدَقةِ لِلمُتصدِّقِ بها، كَما ثَبَتَ عَنِ الصَّحابةِ. وَإنْ كانَ المَقبوضُ برِضَا الدَّافِعِ، وقَدِ استَوفَى عِوَضَه المُحرَّمَ، كَمَنْ عاوَضَ على خَمرٍ، أو خِنزيرٍ، أو على زِنًا أو فاحِشةٍ، فهَذا لا يَجِبُ فيه رَدُّ العِوَضِ على الدَّافِعِ؛ لِأنَّه أخرَجه باختيارِه، واستَوفَى عِوَضَه المُحَرَّمَ، فلا يَجوزُ أنْ يَجمَعَ لَه بَينَ العِوَضِ والمُعوَّضِ، فإنَّ في ذَلِكَ إعانةً لَه على الإثمِ والعُدوانِ، وتَيسيرًا لِأصحابِ المَعاصي عليه، وماذا يُريدُ الزَّاني وفاعِلُ الفاحِشةِ إذا عَلِمَ أنَّه يَنالُ غَرَضَه ويَستَرِدُّ مالَه؟ فهَذا مِمَّا تُصانُ الشَّريعةُ عَنِ الإتيانِ به، ولا يَسُوغُ القولُ به، وهو يَتَضَمَّنُ الجَمعَ بَينَ الظُّلمِ والفاحِشةِ والغَدْرِ، ومِن أقبَحِ القَبيحِ أنْ يَستَوفِيَ عِوَضَه مِنَ المَزنِيِّ بها، ثم يَرجِعَ فيما أعطاها قَهرًا، وقُبحُ هَذا مُستقِرٌّ في فِطَرِ جَميعِ العُقَلاءِ، فلا تَأتي به شَريعةٌ، ولَكِنْ لا يَطيبُ لِلقابِضِ أكْلُه، بَلْ هو خَبيثٌ، كَما حَكَمَ عليه رَسولُ اللَّهِ ﷺ، ولَكِنَّ خُبثَه لِخُبثِ مَكسَبِه، لا لِظُلمِ مَنْ أُخِذَ مِنه؛ فطَريقُ التَّخَلُّصِ مِنه وطَريقُ تَمامِ التَّوبةِ بالصَّدَقةِ به، فإنْ كانَ مُحتاجًا إلَيه فلَه أنْ يَأخُذَ قَدْرَ حاجَتِه، ويَتَصَدَّقَ بالبَقِيَّةِ، فهَذا حُكمُ كلِّ كَسبٍ خَبيثٍ؛ لِخُبثِ عِوَضِه عَينًا كانَ أو مَنفَعةً، ولا يَلزَمُ مِنَ الحُكمِ بخُبثِه وُجوبُ رَدِّه على الدَّافِعِ؛ فإنَّ النَّبيَّ ﷺ حَكَمَ بخُبثِ كَسْبِ الحَجَّامِ، ولا يَجِبُ رَدُّه على دافِعِه. فَإنْ قيلَ: فالدَّافِعُ مالَه في مُقابَلةِ العِوَضِ المُحَرَّمِ دَفَعَ ما لا يَجوزُ دَفعُه، بَلْ حَجَرَ عليه فيه الشَّارِعُ، فلَمْ يَقَعْ قَبضُه مَوقِعَه، بَلْ وُجودُ هَذا القَبضِ كَعَدَمِه؛ فيَجِبُ رَدُّه على مالِكِه، كَما لَو تَبَرَّعَ المَريضُ لِوارِثِه بشَيءٍ، أو لِأجنَبيٍّ بزِيادةٍ على الثُّلُثِ، أو تَبَرَّعَ المَحجورُ عليه -بفَلَسٍ أو سَفَهٍ- أو تَبَرَّعَ المُضطَرُّ إلى قُوَّتِه بذَلِكَ، ونَحوِ ذَلِكَ، وسِرُّ المَسألةِ أنَّه مَحجورٌ عليه شَرعًا في هَذا الدَّفعِ؛ فيَجِبُ رَدُّه. قيلَ: هَذا قِياسٌ فاسِدٌ؛ لِأنَّ الدَّفعَ في هَذِه الصُّوَرِ تَبَرُّعٌ مَحضٌ، لَمْ =
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://www.shamela.app/page/contribute