للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقالَ الكاسانيُّ : الإجارةُ جائِزةٌ عندَ عامَّةِ العُلماءِ.

وقالَ أبو بَكرٍ الأصَمُّ : إنَّها لا تَجوزُ، والقياسُ ما قالَه؛ لأنَّ الإجارةَ بَيعُ المَنفَعةِ، والمَنافِعُ لِلحالِ مَعدومةٌ، والمَعدومُ لا يَحتَمِلُ البَيعَ؛ فلا يَجوزُ إضافةُ البَيعِ إلى ما يُؤخَذُ في المُستَقبَلِ كَإضافةِ البَيعِ إلى أعيانٍ تُؤخَذُ في المُستَقبَلِ، فإذًا لا سَبيلَ إلى تَجويزِها، لا باعتِبارِ الحالِ، ولا باعتِبارِ المآلِ، فلا جَوازَ لَها رَأْسًا، لَكنَّا استَحسَنَّا الجَوازَ بالكِتابِ العَزيزِ والسُّنةِ والإجماعِ.

وَقالَ: وأمَّا الإجماعُ؛ فإنَّ الأُمَّةَ أجمَعَتْ على ذلك قبلَ وُجودِ الأصَمِّ، حَيثُ يَعقِدونَ عَقدَ الإجارةِ مِنْ زَمنِ الصَّحابةِ إلى يَومِنا هذا مِنْ غيرِ نَكيرٍ؛ فلا يُعبَأُ بخِلافِه؛ إذْ هو يَأْتي خِلافَ الإجماعِ (١).

وقالَ القاضي عَبدُ الوَهَّابِ : جَوازُ الإجارةِ في الجُملةِ مُجمَعٌ عليه، إلا ما يُحكَى عن ابنِ عُلَيَّةَ، والأصَمِّ، وهؤلاء لا يَعُدُّ أهلُ العِلمِ خِلافَهم خِلافًا، ولأنَّ هذا إجماعٌ مِنْ السَّلفِ قبلَ خَرقِ هؤلاء المُبتَدِعةِ (٢).

وقالَ ابنُ قُدامةَ : وأجمَعَ أهلُ العِلمِ في كلِّ عَصرٍ وكلِّ مِصرٍ على جَوازِ الإجارةِ، إلا ما يُحكَى عن عَبدِ الرَّحمنِ بنِ الأصَمِّ، أنَّه قالَ: لا يَجوزُ ذلك؛ لأنَّه غَرَرٌ، يَعني أنَّه يَعقِدُ على مَنافِعَ لم تُخلَقْ، وهذا غَلَطٌ، لا يَمنَعُ انعِقادَ الإجماعِ، الذي سَبَقَ في الأعصارِ، وسارَ في الأمصارِ (٣).


(١) «بدائع الصنائع» (٤/ ١٧٣، ١٧٤).
(٢) «الإشراف» (٣/ ١٩٦) رقم (١٠٤٠).
(٣) «المغني» (٥/ ٢٥٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>