للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَطَّابُ : قُلتُ: فتحَصَّلَ مِنْ هذا أنَّ المَطلوبَ في المُساقاةِ أنْ تُؤَقَّتَ بالجِدادِ، سَواءٌ عَقداها لِعامٍ واحِدٍ، أو لِسِنينَ مُتعَدِّدةٍ؛ فإنْ عَقَداها وأطلَقا حُمِلَتْ على الجِدادِ، وعَلَى أنَّها لِعامٍ واحِدٍ، وإنْ عَقَداها لِسَنةٍ أو لسَنتَيْنِ وأطلَقا، حُمِلَتْ أيضًا على الجِدادِ، وإنْ أرادَ التَّحديدَ بالسَّنَةِ العَربيَّةِ أوِ السِّنينِ العَربيَّةِ لَم يَجُزْ، وتَفسُدُ المُساقاةُ بذلك. انتَهَى.

وَلَو كانَ هناك نَوعٌ يُطعِمُ في السَّنةِ بَطنَيْنِ يَتمَيَّزُ أحَدُهما مِنْ الآخَرِ، كَما في بَعضِ أجناسِ التِّينِ في بَعضِ بِلادِ المَغرِبِ، حُمِلَتِ المُساقاةُ -أي: انتِهاؤُها- على الأولِ مِنهما، إنْ لَم يُشترَطْ؛ فإنِ اشتُرِطَ الثَّاني جازَ، وأمَّا الجُمَّيزُ والنَّبقُ والتُّوتُ فإنَّ بُطونَه لا تَتميَّزُ؛ فلا بدَّ مِنْ انتِهاءِ الجَميعِ (١).

وقالَ الشافِعيَّةُ: ولا تَصحُّ المُساقاةُ إلى مدَّةٍ مَعلومةٍ؛ لأنَّها عَقدٌ لَازِمٌ، فلَو جازَ عَقدُها إلى غيرِ مدَّةٍ لَاستَحقَّها العامِلُ على الدَّوامِ، وهذا حُكمُ الأملاكِ.

إذا ثبَتَ هَذا: فإنْ ساقاه على نَخلٍ أو وَدْيٍ إلى مدَّةٍ يُحمَلُ فيها بحُكمِ الأغلَبِ صَحَّ؛ لأنَّ أكثَرَ ما فيه أنَّ العَملَ كَثيرٌ والنَّصيبَ قَليلٌ، وذلك لا يَمنَعُ صِحَّةَ العَقدِ، كَما لَو ساقاه على جُزءٍ مِنْ ألفِ جُزءٍ مِنْ الثَّمرةِ، فإنْ حَمَلَ النَّخلُ استَحقَّ العامِلُ ما شُرِط لَه، وإنْ لَم يَحمِلْ لِآفةٍ لَم يَستَحقَّ العامِلُ شَيئًا؛ لأنَّه في العَقدِ الصَّحيحِ لا يَستَحقُّ غيرَ ما شُرِطَ لَه.


(١) «مواهب الجليل» (٧/ ٣٦٢، ٣٦٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٥/ ٣٢٠)، و «شرح مختصر خليل» (٦/ ٢٣٠، ٢٣١)، و «تحبير المختصر» (٤/ ٥٤٠)، و «التاج والإكليل» (٤/ ٤٤٦)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (٨/ ٤٤٨)، و «البهجة في شرح التحفة» (٢/ ٣٢٠)، و «منح الجليل» (٧/ ٣٩٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>