إنَّها عَقدٌ لَازِمٌ، قالَ: لا بدَّ مِنْ المدَّةِ، ومَن قالَ: إنَّها جائِزةٌ قالَ: لا يُشترَطُ لَها المدَّةُ؛ لأنَّه يَجوزُ لِكُلٍّ مِنهما أنْ يَفسَخَها متى شاءَ، وهي على التَّفصيلِ الآتي في كلِّ مَذهَبٍ.
قالَ الحَنفيَّةُ: القِياسُ في المُساقاةِ ألَّا تَصحَّ إلَّا بعدَ بَيانِ المدَّةِ؛ لأنَّها استِئجارُ العامِلِ ببَعضِ الخارِجِ، فكانَتْ إجارةً بمَنزِلةِ المُزارَعةِ، إلَّا أنَّها جازَتْ في الِاستِحسانِ بغَيرِ بَيانِ المدَّةِ؛ لِتَعامُلِ النَّاسِ على ذلك مِنْ غيرِ بَيانِ المدَّةِ، وتَقعُ على أوَّلِ جُزءٍ يَخرُجُ مِنْ الثَّمرةِ في أوَّلِ السَّنةِ؛ لأنَّ وَقتَ ابتِداءِ المُعامَلةِ مَعلومٌ؛ لأنَّ لِإدراكِ الثَمرَةَ وَقتًا مَعلومًا، وقَلَّما يَتفاوَتُ ويَدخُلُ فيها ما هو المُتيَقَّنُ، وإدراكُ البَذْرِ في أُصولِ الرَّطبةِ في هذا بمَنزِلةِ إدراكِ الثِّمارِ؛ لأنَّ له نِهايةً مَعلومةً؛ فلا يُشترَطُ بَيانُ المدَّةِ، بخِلافِ الزَّرعِ، لأنَّ ابتِداءَه يَختَلِفُ كَثيرًا خَريفًا وصَيفًا ورَبيعًا، ويَكونُ الِانتِهاءُ بِناءً عليه، فتَدخُلُه الجَهالةُ، وبِخِلافِ ما إذا دفعَ إليه غَرسًا قد عُلِّقَ، ولَم يَبلُغِ الثَّمرُ مُعامَلةً، حَيثُ لا يَجوزُ إلَّا ببَيانِ المدَّةِ؛ لأنَّه يَتفاوَتُ بقُوةِ الأراضي وضَعفِها تَفاوُتًا فاحِشًا، وبِخِلافِ ما إذا دفعَ نَخيلًا أو أُصولًا رَطبةً على أنْ يَقومَ عليها، أو أطلَقَ في الرَّطبةِ، تَفسُدُ المُعامَلةُ؛ لأنَّه لَيسَ لِذلك نِهايةٌ مَعلومةٌ؛ لأنَّها تَنمو ما تُرِكَتْ في الأرضِ، فجُهِلَتِ المدَّةُ (١).
وأمَّا المالِكيَّةُ فقالوا: يَجوزُ مُساقاةُ سِنينَ في عَقدٍ، ولَو كَثُرَتْ، ما لَم
(١) «بدائع الصنائع» (٦/ ١٨٠)، و «الهداية شرح البداية» (٤/ ٥٩)، و «تبيين الحقائق» (٥/ ٢٨٤)، و «العناية» (١٤/ ١١٩)، و «البحر الرائق» (٨/ ١٨٧)، و «مجمع الأنهر» (٤/ ١٤٨).