وقالَ النَّوويُّ ﵀ ما مُلخَّصُه: أخَذَ الشافِعيُّ ﵀ في الفِقهِ وحصَلَ منه على مُسلمِ بنِ خالِدٍ الزّنجيِّ وغيرِه من أَئمةِ مَكةَ ما حصَلَ، ورحَلَ إلى المَدينةِ قاصدًا الأَخذَ عن أَبي عبدِ اللهِ مالِكِ بنِ أَنسٍ ﵁ وأكرَمَه مالِكٌ ﵀ وعامَلَه لنَسبِه وعِلمِه وفَهمِه وعَقلِه وأَدبِه بما هو الَّلائقُ بهما وقرَأَ «الموطأ» على مالِكٍ حِفظًا فأَعجبَتْه قِراءتُه فكانَ مالِكٌ يَستزِيدُه من القِراءةِ لإِعجابِه من قِراءتِه ولازَمَ مالِكًا فقالَ له: اتقِّ اللهَ؛ فإنَّه سيَكونُ لك شَأنٌ.
وفي رِوايةٍ: أنَّه قالَ لي: إنَّ اللهَ تَعالى قد أَلقَى على قَلبِك نُورًا فلا تُطفئْه بالمَعصيةِ. ثم ولِي اليَمنَ واشتَهرَ من حُسنِ سِيرتِه وحَملِه الناسَ على السُّنةِ والطَّرائقِ الجَميلةِ أَشياءُ كَثيرةٌ مَعروفةٌ، ثم رحَلَ إلى العِراقِ في الاشتِغالِ بالعِلمِ، وناظَرَ مُحمدَ بنَ الحَسنِ وغيرَه، ونشَرَ عِلمَ الحَديثِ وأَقامَ مَذهبَ أَهلِه ونصَرَ السُّنةَ وشاعَ ذِكرُه وفَضلُه وتَزايَدَ تَزايُدًا ملَأَ البِقاعَ، وأَذعَنَ بفَضلِه المُوافِقونَ والمُخالِفونَ واعتَرفَ به العُلماءُ أَجمَعونَ، وعظُمَت عندَه الخَلائقُ ووُلاةُ الأُمورِ مَرتَبتُه، وظهَرَ من فَضلِه في مُناظَراتِه أَهلَ العِراقِ وغيرِهم ما لم يَظهَرْ لسِواهُ، عكَفَ للِاستِفادةِ منه الصِّغارُ والكِبارُ والأَئمةُ الأَخيارُ من أَهلِ الحَديثِ والفقهِ وغيرِهم، ورجَعَ كَثيرٌ منهم عن مَذاهبَ كانوا عليها إلى مَذهبِه وتَمسَّكوا بطَريقتِه وصنَّفَ في العِراقِ كِتابَه القَديمَ المُسمَّى «كِتاب الحُجَّة» ثم خرَجَ الشافِعيُّ ﵀ إلى مِصرَ سَنةَ تِسعٍ