قال الحَنفيَّةُ: عَقدُ المُضاربةِ غَيرُ لَازِمٍ ولكلِّ واحِدٍ منهما -أعني رَبَّ المالِ والمُضارِبَ- الفَسخُ، لكنْ عندَ وُجودِ شَرطِه وهو عِلمُ صاحِبِه.
فإذا عَزلَ رَبُّ المالِ المُضارِبَ فلَم يَعلَمْ بعَزلِه حتى اشتَرى وباعَ فتَصرُّفُه جائِزٌ؛ لأنَّه وَكيلٌ مِنْ جِهتِه، وعَزلُ الوَكيلِ قَصدًا يَتوقَّفُ على عِلمِه.
وإنْ عَلِمَ المُضارِبُ بعَزلِه، والمالُ عُروضٌ فلَه أنْ يَبيعَها ولا يَمنَعُه العَزلُ عن ذلك؛ لأنَّ المُضارَبةَ قد تَمَّتْ بالشِّراءِ وصَحَّت فلا يَجوزُ له العَزلُ بعدَ ذلك؛ لأنَّ حَقَّه قد ثبَت في الرِّبحِ، وإنَّما يَظهَرُ بالقِسمةِ، وهي تُبتَنى على رأسِ المالِ، وإنَّما يَنِضُّ بالبَيعِ.
فإذا باعَ العُروضَ فلا يَجوزُ له أنْ يَشتريَ بثَمنِها شَيئًا آخَرَ؛ لأنَّها قد صارَتْ نَقدًا.
ويُشترطُ أيضًا أنْ يَكونَ رَأسُ المالِ عَينًا وَقتَ الفَسخِ، دَراهمَ أو دَنانيرَ، حتى لو نَهى رَبُّ المالِ المُضارِبَ عن التَّصرُّفِ ورأسُ المالِ عُروضٌ وَقتَ النَّهيِ لَم يَصحَّ نَهيُه، وله أنْ يَبيعَها؛ لأنَّه يَحتاجُ إلى بَيعِها بالدَّراهِمِ والدَّنانيرِ لِيَظهرَ الرِّبحُ فكان النَّهيُ والفَسخُ إبطالًا لِحَقِّه في التَّصرُّفِ فلا يَملِكُ ذلك، وإنْ كان رأسُ المالِ دَراهمَ أو دَنانيرَ وَقتَ الفَسخِ والنَّهيِ صَحَّ الفَسخُ والنَّهيُ، لكنْ له أنْ يَصرِفَ الدَّراهمَ إلى الدَّنانيرِ والدَّنانيرَ إلى الدَّراهمِ؛ لأنَّ ذلك لا يُعدُّ بَيعًا لِاتِّحادِهما في الثَّمَنيَّةِ؛ فإذا كان رأسُ المالِ دَنانيرَ والذي نَضَّ (١)