المَذهبِ إلى أنَّه يَجوزُ لِلمُضارِبِ أنْ يُسافرَ بمالِ المُضاربةِ -بَرًّا وبَحرًا كما يَقولُ الحَنفيَّةُ- إنْ أطلَقَ رَبُّ المالِ الإذنَ في المُضاربةِ ولَم يُقيِّدْه؛ لأنَّ المُضاربةَ مُشتَقَّةٌ مِنَ الضَّربِ في الأرضِ، وعليه فلَفظُ المُضاربةِ يَدلُّ على ذلك المُضارِبِ ومَلَك المُضارِبُ ذلك بمُطلقِ العَقدِ؛ لأنَّ الإذنَ المُطلَقَ يَنصرِفُ إلى ما جرَت به العادةُ، والعادةُ جاريةٌ سَفَرًا وحَضَرًا، ولأنَّ المَقصودَ مِنْ هذا العَقدِ استِنماءُ المالِ، وهذا المَقصودُ بالسَّفرِ أوفَرُ، ولأنَّ العَقدَ صَدرَ مُطلَقًا عن المَكانِ، فيَجري على إطلاقِه، ولأنَّ مأخَذَ الاسمِ دَليلٌ عليه؛ لأنَّ المُضاربةَ مُشتَقَّةٌ مِنَ الضَّربِ في الأرضِ، وهو السَّيرُ، قال اللهُ ﷾: ﴿وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [المزمل: ٢٠]؛ فإذا كان مَعنى المُضاربةِ السَّفرَ فمُحالٌ أنْ يُنافيَه مُطلَقُ عَقدِ المُضاربةِ؛ ولأنَّه طلَبُ الفَضلِ، وقد قال اللهُ ﷾ وعَزَّ شَأنُه: ﴿وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ﴾ [الجمعة: ١٠].
ولأنَّ القِراضَ يَقتَضي التَّصرُّفَ في المالِ على العادةِ في طلَبِ تَنميتِه، والعادةُ جاريةٌ بالتِّجارةِ سَفرًا وحَضرًا؛ فإذا أُطلِق الإذنُ فقد دخَل على العادةِ، فيَتضمَّنُ ذلك التَّصرُّفُ كلَّ ما يُعتادُ مِثلُه، ولأنَّ مِنَ السِّلعِ ما قد جَرَت العادةُ أنَّه لا يُشتَرى إلا في السَّفرِ ولا يُنمَّى المالُ إلا فيه، وإلا أنْ يُحمَلَ إلى المَواضعِ المَقصودةِ به؛ فإذا ثبَت أنَّ له أنْ يَشتريَ تلك السِّلعةَ ثبَت له أنْ يُسافِرَ بها؛ لأنَّ تَنميتَها لا تَحصُلُ إلا به.
ورُويَ عن أبي يُوسُفَ أنَّه فَرَّقَ بينَ الذي يَثبُتُ في وَطنِه وبينَ الذي لا يَثبُتُ، وبينَ ما له حَملٌ ومُؤنةٌ وبينَ ما لا حَملَ له ولا مُؤنةَ في الشَّركةِ،