للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثَبَت هذا فلا يَصحُّ هذا الصُّلحُ إلا أنْ يَكونَ المُدَّعِي مُعتَقِدًا أنَّ ما ادَّعاه حَقٌّ، والمُدَّعَى عليه يَعتقِدُ أنَّه لا حَقَّ عليه، فيَدفَعَ إلى المُدَّعي شَيئًا افتِداءً لِيَمينِه وقَطعًا لِلخُصومةِ وصيانةً لِنَفْسِه عن التَّبذُّلِ وحُضورِ مَجلِسِ الحاكِمِ؛ فإنَّ ذَوي النُّفوسِ الشَّريفةِ والمُروءةِ يَصعُبُ عليهم ذلك، ويَرَوْنَ دَفعَ ضَرَرِها عنهم مِنْ أعظَمِ مَصالِحِهم، ولا يَمنَعُ الشَّرعُ مِنْ وِقايةِ أنْفُسِهم وصيانَتِها ودَفعِ الشَّرِّ عنهم ببَذلِ أموالِهم، والمُدَّعِي يَأخُذُ ذلك عِوَضًا عن حَقِّه الثابِتِ له، فلا يَمنَعُه الشَّرعُ مِنْ ذلك أيضًا، سَواءٌ كان المأخوذُ مِنْ جِنسِ حَقِّه أو مِنْ غيرِ جِنسِه بقَدْرِ حَقِّه أو دونَه، فإنْ أخَذَ مِنْ جِنسِ حَقِّه بقَدْرِه فهو مُستَوفٍ له، وإنْ أخَذَ دونَه فقد استَوفى بَعضَه وتَرَكَ بَعضَه، وإنْ أخَذَ مِنْ غيرِ جِنسِ حَقِّه فقد أخَذَ عِوَضَه ولا يَجوزُ أنْ يأخُذَ مِنْ جِنسِ حَقِّه أكثَرَ مما ادَّعاه؛ لأنَّ الزائِدَ لا مُقابِلَ له، فيَكونُ ظالِمًا بأخْذِه، وإنْ أخَذَ مِنْ غيرِ جِنسِه جازَ، ويَكونُ بَيعًا في حَقِّ المُدَّعِي لاعتِقادِه أخْذَه عِوَضًا، فيَلزَمُه حُكمُ إقرارِه.

فإنْ كان المأخوذُ شِقصًا في دارٍ أو عَقارٍ وَجَبتْ فيه الشُّفعةُ، وإنْ وَجَدَ به عَيبًا فله رَدُّه والرُّجوعُ في دَعواه، ويَكونُ في حَقِّ المُنكِرِ بمَنزِلةِ الإبراءِ؛ لأنَّه دَفَعَ المالَ افتِداءً لِيَمينِه ودَفعًا لِلضَّرَرِ عنه، لا عِوَضًا عن حَقٍّ يَعتَقِدُه فيَلزَمُه أيضًا حُكمُ إقرارِه، فإنْ وَجَد بالمُصالَحِ عنه عَيبًا لَم يَرجِعْ به على المُدَّعِي؛ لاعتِقادِه أنَّه ما أخَذَه عِوَضًا، وإنْ كان شِقصًا لَم تَثبُتْ فيه الشُّفعةُ؛ لأنَّه يَعتَقِدُه على مِلكِه لَم يَزَلْ، وما مَلَكَه بالصُّلحِ، ولو دَفَعَ المُدَّعَى عليه ما ادَّعاه أو بَعضَه لَم يَثبُتْ فيه حُكمُ البَيعِ، ولا تَثبُتُ به الشُّفعةُ؛ لأنَّ المُدَّعِي

<<  <  ج: ص:  >  >>