للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكنْ إنْ عَلِمَ الوَليُّ صِحَّةَ ما أقَرَّ به السَّفيهُ، كدَينِ جِنايةٍ ونَحوِه لَزِمَه أداؤُه.

وفي قَولٍ: السَّفيهُ إذا أقَرَّ بمالٍ -كالدَّينِ- أو بما يُوجِبُه -كَجِنايةِ الخَطَأِ وشِبهِ العَمدِ وإتلافِ المالِ وغَصبِه وسَرِقَتِه- لَم يُقبَلْ إقرارُه به؛ لأنَّه مَحجورٌ عليه لِحِفظِه، فلَم يَصحَّ إقرارُه بالمالِ، كالصَّبيِّ والمَجنونِ، ولأنَّا لو قَبِلْنا إقرارَه في مالِه لَزالَ مَعنى الحَجْرِ؛ لأنَّه يَتصرَّفُ في مالِه ثم يُقِرُّ به فيأخُذُه المُقِرُّ له؛ ولأنَّه أقَرَّ بما هو مَمنوعٌ مِنَ التَّصرُّفِ فيه، كإقرارِ الراهِنِ على الرَّهنِ، والمُفلِسِ على المالِ.

قال ابنُ قُدامةَ : ويُحتمَلُ ألَّا يَصحَّ إقرارُه ولا يُؤخَذَ به في الحُكمِ بحالٍ، وهذا مَذهبُ الشافِعيِّ؛ لأنَّه مَحجورٌ عليه؛ لِعَدَمِ رُشدِه، فلَم يَلزَمْه حُكمُ إقرارِه بعدَ فَكِّ الحَجْرِ عنه، كالصَّبيِّ والمَجنونِ، ولأنَّ المَنعَ مِنْ نُفوذِ إقرارِه في الحالِ إنَّما ثَبَت لِحِفظِ مالِه عليه ودَفْعِ الضَّرَرِ عنه، فلو نَفَذَ بعدَ فَكِّ الحَجْرِ لَم يُفِدْ إلا تأخيرَ الضَّرَرِ عليه إلى أكمَلِ حالَتَيْه، وفارَقَ المَحجورَ عليه لِحَقِّ غَيرِه؛ فإنَّ المانِعَ تَعلُّقُ حَقِّ الغَيرِ بمالِه، فيَزولُ المانِعُ بزَوالِ الحَقِّ عن مالِه، فيَثبُتُ مُقتَضى إقرارِه.

وفي مَسألتِنا انتَفى الحُكمُ لِخَلَلٍ في الإقرارِ، فلَم يَثبُتْ كَونُه سَبَبًا، وبزَوالِ الحَجْرِ لَم يَكمُلِ السَّبَبُ، فلا يَثبُتُ الحُكمُ مع اختِلالِ السَّبَبِ، كما لَم يَثبُتْ قبلَ فَكِّ الحَجْرِ، ولأنَّ الحَجْرَ لِحَقِّ الغَيرِ لَم يَمنَعْ تَصرُّفَهم في ذِمَمِهم، فأمكَنَ تَصحيحُ إقرارِهم في ذِمَمِهم على وَجْهٍ لا يَضُرُّ بغَيرِهم، بأنْ يَلزَمَهم بعدَ زَوالِ حَقِّ غَيرِه، والحَجْرُ ههنا لِحِفظِ نَفْسِه؛ مِنْ أجْلِ ضَعفِ عَقلِه وسُوءِ تَصرُّفِه، ولا يَندَفِعُ الضَّرَرُ إلا بإبطالِ إقرارِه بالكُلِّيَّةِ، كالصَّبيِّ والمَجنونِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>