وكتَب عُمَرُ ﵁ إلى عامِلِه «ألَّا تأخُذَ الجِزيةَ إلا ممَّن جَرَتْ عليه المَواسي»، ورَوى مُحمدُ بنُ يَحيى بنِ حِبَّانَ أنَّ غُلامًا مِنَ الأنصارِ شَبَّبَ بامرأةٍ في شِعرِه، فرُفِعَ إلى عُمرَ ﵁ فلَم يَجِدْه أنبَتَ، فقال:«لو أنبَتَّ الشَّعرَ لَحَدَدتُكَ»؛ ولأنَّه خارِجٌ يُلازِمُه البُلوغُ في الأغلَبِ، ويَستَوي فيه الذَّكَرُ والأُنثى، فكان عَلَمًا على البُلوغِ كالاحتِلامِ.
ولأنَّ الخارِجَ ضَربانِ: مُتَّصِلٌ ومُنفصِلٌ، فلَمَّا كان مِنَ المُنفَصِلِ ما يَثبُتُ به البُلوغُ كان كذلك المُتَّصِلُ، وما كان بُلوغًا في حَقِّ المُشرِكينَ كان بُلوغًا في حَقِّ المُسلِمينَ، كالاحتِلامِ والسِّنِّ.
وذهَب الحَنفيَّةُ في المَذهبِ عندَهم -بخِلافِ رِوايةِ أبي يُوسُفَ السابِقةِ- وهو قَولٌ مَحكيٌّ عن الإمامِ مالِكٍ وابنِ القاسِمِ إلى أنَّه لا اعتبارَ بنَباتِ شَعرِ العانةِ على البُلوغِ، لا في حَقِّ المُسلِمِ ولا في حَقِّ الكافِرِ؛ لأنَّه نَباتُ شَعرٍ فأشبَهَ نَباتَ شَعرِ سائِرِ البَدَنِ.
وقال الشافِعيَّةُ: إذا نَبَت شَعرُ العانةِ لِلكافِرِ حُكِمَ ببُلوغِه، وهل هو بُلوغٌ فيه أو دِلالةٌ على البُلوغِ؟ فيه قَولانِ:
(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٤٤٠٤، ٤٤٠٥)، والترمذي (١٥٨٤)، والنسائي (٤٩٨١)، وابن ماجه (٢٥٤١)، وأحمد في «المسند» (٤/ ٣١٠)، وابن حبان في «صحيحه» (٤٧٨١).