عندَ حُلولِ الحَقِّ وإنجازِ البَيعِ، وعلى أنَّ الراهِنَ إذا وَكَّلَه مع العِلمِ بغَرَضِه فقد سَمَح له بذلك -والحَقُّ له- فلا يَمنَعُ مِنَ السَّماحةِ به كما لو وَكَّلَ فاسِقًا في بَيعِ مالِه وقَبضِ ثَمَنِه.
إلا أنَّ مَشهورَ مَذهبِ الإمامِ مالِكٍ ﵀ أنَّه إذا وَكَّلَ الراهِنُ المُرتَهَنَ على البَيعِ يُستحَبُّ له الرَّفعُ إلى الحاكِمِ -وهو المَشهورُ عن مالِكٍ- دَفعًا لِلخُصومةِ، وقال أشهَبُ: يَستقِلُّ بنَفْسِه توفيةً لِمُقتَضى التَّوكيلِ، فله بَيعُه مِنْ غيرِ حاجةٍ إلى الرَّفعِ (١).
وقد نَصَّ الحَنفيَّةُ والمالِكيَّةُ على أنَّ الراهِنَ إذا وَكَّلَ العَدلَ أو المُرتَهَنَ ببَيعِ الرَّهنِ عندَ حُلولِ الأجَلِ لا يَنعزِلُ بالعَزلِ.
قال الحَنفيَّةُ: إذا وَكَّلَ الراهِنُ المُرتَهَنَ أو العَدلَ أو غَيرَهما ببَيعِ الرَّهنِ عندَ حُلولِ الأجَلِ فالوَكالةُ جائِزةٌ؛ لأنَّه تَوكيلُ بَيعِ مالِه، فإنْ شَرَط الوَكالةَ في عَقدِ الرَّهنِ فليس لِلراهِنِ عَزلُه عنها، فإنْ عَزَلَه لَم يَنعزِلْ؛ لأنَّ الوَكالةَ لمَّا شُرِطتْ في عَقدِ الرَّهنِ صارَتْ وَصفًا مِنْ أوصافِه وحَقًّا مِنْ حُقوقِه، ألَا تَرى أنَّها لِزيادةِ الوَثيقةِ؟ فتَلزَمُ بلُزومِ أصلِه، ولأنَّه تَعلَّقَ به حَقُّ المُرتَهَنِ، وفي العَزلِ إبطالُ حَقِّه، وصارَ كالوَكالةِ بالخُصومةِ
(١) «أسهل المدارك» (٢/ ٣٧٦)، و «الإشراف» (٣/ ١٥) رقم (٨٧٢)، و «روضة المستبين في شرح كتاب التلقين» (٢/ ١١٠٢)، و «الجوهرة النيرة» (٣/ ٢٠٥)، و «الدر المختار» (٦/ ٥٠٣، ٥٠٤، ٥٣٩)، و «البحر الرائق» (٧/ ١٨٩)، و «تبيين الحقائق» (٦/ ٨١، ٨٢)، و «مرشد الحيران» (٣/ ١٣٨٤، ١٣٨٥)، و «مجمع الأنهر» (٣/ ٣٤٠)، و «الأوسط» (٥/ ٦٨٥، ٦٨٦)، و «المغني» (٤/ ٢٤٨)، و «الكافي» (٢/ ١٦١).