فمالِكٌ يُرجِّحُ مَذهبَه بأنَّ الأصلَ هو أنْ يُحملَ الخاصُّ على خُصوصِه حتى يَدلَّ الدَّليلُ على غيرِ ذلك، والشافِعيُّ مُحتجٌّ بأنَّ المُرادَ به المَخرجُ لا الخارِجُ باتِّفاقِهم على إِيجابِ الوُضوءِ من الرِّيحِ التي تَخرجُ من أسفَلَ، وعلى عَدمِ إِيجابِ الوُضوءِ منه إذا خرَجَ من فوقُ، وكِلاهما ذاتٌ واحِدةٌ، والفَرقُ بينَهما اختِلافُ المَخرَجَين، فكان هذا تَنبيهًا على أنَّ الحُكمَ للمَخرجِ وهو ضَعيفٌ؛ لأنَّ الرِّيحَينِ مُختلِفانِ في الصِّفةِ والرائِحةِ، وأبو حَنيفةَ يَحتجُّ؛ لأنَّ المَقصودَ بذلك هو الخارِجُ النَّجسُ لكَونِ النَّجاسةِ مُؤثِّرةً في الطَّهارةِ، وهذه الطَّهارةُ -وإنْ كانَت طَهارةً حُكميةً- فيها شَبهٌ بالطَّهارةِ المَعنويةِ، أعني طَهارةَ النَّجسِ، وبحَديثِ ثَوبانَ:«أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قاءَ فأفطَرَ فتَوضَّأَ» وبما رُويَ عن عُمرَ وابنِ عُمرَ من إِيجابِ الوُضوءِ من الرُّعافِ، وبما رُويَ من أمرِه ﷺ المُستحاضةَ بالوُضوءِ لكلِّ صَلاةٍ، فكانَ المَفهومُ من هذا كلِّه عندَ أبي حَنيفةَ الخارِجَ النَّجسَ، وإنَّما اتَّفَق الشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ على إِيجابِ الوُضوءِ من الأَحداثِ المُتَّفقِ عليها، وإنْ خرَجَت على جِهةِ المَرضِ لأمرِه ﷺ بالوُضوءِ عندَ كلِّ صَلاةٍ المُستحاضةَ، والاستِحاضةُ مَرضٌ.
وأمَّا مالِكٌ فرأى أنَّ المَرضَ له ههنا تأثيرٌ في الرُّخصةِ قياسًا أيضًا على ما رُويَ أيضًا من أنَّ المُستحاضةَ لم تُؤمَرْ بالغُسلِ فقط، وذلك أنَّ حَديثَ فاطِمةَ بِنتَ أبي حُبَيشٍ هذا مُتَّفقٌ على صِحتِه، ويُختلَفُ في هذه الزِّيادةِ فيه، أعني الأمرَ بالوُضوءِ لكلِّ صَلاةٍ، ولكنْ صحَّحَها أبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ،