واعتبَرَ قَومٌ آخَرونَ الخارِجَ والمَخرجَ وصِفةَ الخُروجِ فقالوا: كلُّ ما خرَجَ من السَّبيلَينِ ممَّا هو مُعتادٌ خُروجُه، وهو البَولُ والغائِطُ والمَذيُ، والوَديُ والرِّيحُ إذا كانَ خُروجُها على وَجهِ الصِّحةِ فهي تَنقضُ الوُضوءَ، فلم يَرَوْا في الدَّمِ والحَصاةِ والدُّودِ وُضوءًا، ولا في السَّلسِ، وممَّن قالَ بهذا القَولِ مالِكٌ وكلُّ أَصحابِه.
والسَّببُ في اختِلافِهم: أنَّه لمَّا أجمَعَ المُسلِمونَ على انتِقاضِ الوُضوءِ ممَّا يَخرجُ من السَّبيلَينِ من غائِطٍ وبَولٍ ورِيحٍ ومَذيٍ لظاهِرِ الكِتابِ ولتَظاهُرِ الآثارِ بذلك، تَطرَّق إلى ذلك ثَلاثةُ احتِمالاتٍ:
أحدُها: أنْ يَكونَ الحُكمُ إنَّما عُلقَ بأَعيانِ هذه الأشياءِ فقط المُتَّفقِ عليها على ما رآه مالِكٌ ﵀.
الاحتِمالُ الثاني: أنْ يَكونَ الحُكمُ إنَّما عُلِّق بهذه من جِهةِ أنَّها أنجاسٌ خارِجةٌ من البَدنِ لكَونِ الوُضوءِ طَهارةً، والطَّهارةُ إنَّما يُؤثِّرُ فيها النَّجسُ.
والاحتِمالُ الثالِثُ: أنْ يَكونَ الحُكمُ أيضًا إنَّما عُلِّق بها من جِهةِ أنَّها خارِجةٌ من هذَين السَّبيلَينِ، فيَكونُ على هذَين القَولَينِ الأخيرَينِ وُرودُ الأمرِ بالوُضوءِ من تلك الأَحداثِ المُجمَعِ عليها، إنَّما هو من بابِ الخاصِّ أُريدَ به العامُّ، ويَكونُ عندَ مالِكٍ وأَصحابِه إنَّما هو من بابِ الخاصِّ المَحمولِ على خُصوصِه؛ فالشافِعيُّ وأبو حَنيفةَ اتَّفَقا على أنَّ الأمرَ بها هو من بابِ الخاصِّ أُريدَ به العامُّ، واختَلَفا أيُّ عامٍّ هو الذي قُصدَ به؟