للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيةُ: بل يُكرهُ؛ لأنَّه مِنْ الغُلوِّ في الدِّينِ، وإنَّما يُندبُ دَوامُ الطَّهارةِ والتَّجديدِ.

قالَ الدُّسوقيُّ : ويُسمَّى ذلك إِطالةَ الغُرةِ، كما حُملَ عليه قَولُه : «مَنْ استَطاعَ أنْ يُطيلَ غُرَّتَه فليَفعَلْ»، فقد حمَلوا الإِطالةَ على الدَّوامِ، والغُرةَ على الوُضوءِ.

قالَ: والحاصِلُ أنَّ إِطالةَ الغُرةِ تُطلقُ على الزِّيادةِ على المَغسولِ، وتُطلقُ على إدامةِ الوُضوءِ، وإِطالةُ الغُرةِ بالمَعنى الأولِ هي المَكروهةُ عندَ مالِكٍ، وإِطالةُ الغُرةِ بالمَعنى الثاني مَطلوبةٌ عندَه، وحينَئذٍ لا يَكونُ الحَديثُ السابِقُ مُعارِضًا لمَا ذكَرَه من الكَراهةِ (١).

قال شَيخُ الإِسلامِ ابنُ تَيميةَ : وكانَ أبو هُريرةَ يَغسلُ يَدَيه إلى العَضُدَين في الوُضوءِ ويَقولُ: «مَنْ استَطاعَ أنْ يُطيلَ غُرتَه فليَفعَلْ» ورُويَ عنه أنَّه كانَ يَمسحُ عُنقَه ويَقولُ: هو مَوضِعُ الغَلِّ؛ فإنَّ هذا -وإنِ استحَبَّه طائِفةٌ من العُلماءِ اتِّباعًا لهما- خالَفَهم فيه آخَرونَ وقالوا: سائِرُ الصَّحابةِ لم يَكونوا يَتوضَّؤونَ هكذا، والوُضوءُ الثابِتُ عنه الذي في الصَّحيحَينِ وغيرِهما من غيرِ وَجهٍ ليسَ فيه أخْذُ ماءٍ جَديدٍ للأُذنَينِ ولا غَسلُ ما زادَ على المِرفَقينِ والكَعبَينِ ولا مَسحُ العُنقِ ولا قالَ النَّبيُّ : «مَنْ استَطاعَ أنْ يُطيلَ غُرتَه فليَفعَلْ» بل هذا مِنْ كَلامِ أبي


(١) «حاشية الدسوقي» (١/ ١٦٧)، و «التاج والإكليل» (١/ ٢٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>