للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُويَ عن مُحمَّدٍ في رَجُلٍ له على إنسانٍ ألْفُ دِرهَمٍ، وكذلك الرَّجُلُ عليه خَمسونَ دِينارًا، فأرسَلَ إليه رَسولًا، فقالَ: بِعتُكَ الدَّنانيرَ التي لي عليكَ بالدَّراهِمِ التي لكَ علَيَّ، وقالَ: قَبِلتُ، فهو باطِلٌ؛ لأنَّ حُقوقَ العَقدِ لا تَتعلَّقُ بالرَّسولِ، بَلْ بالمُرسِلِ، وهُما مُفترِقانِ ببَدَنَيْهما.

وكذلك لو نادَى أحَدُهما صاحِبَه مِنْ وَراءِ جِدارٍ، أو ناداه مِنْ بَعيدٍ لَم يَجُزْ؛ لأنَّهما مُفترِقانِ ببَدَنَيْهما عندَ العَقدِ، بخِلافِ البَيعِ المُطلَقِ إذا أرسَلَ رَسولًا إلى إنسانٍ فقالَ: بِعتُ عَبدي الذي في مَكانِ كذا مِنْكَ بكذا، فقبلَ ذلك الرَّجُلُ، فالبَيعُ جائِزٌ؛ لأنَّ التَّقابُضَ في البَيعِ المُطلَقِ ليسَ بشَرطٍ لِصِحَّةِ العَقدِ، ولا يَكونُ الِافتِراقُ مُفسِدًا له.

ثُمَّ المُعتبَرُ افتِراقُ المُتعاقدَيْنِ سَواءٌ كانا مالِكَيْنِ أو نائِبَيْنِ عنهُما، كالأبِ والوَصيِّ والوَكيلِ؛ لأنَّ القَبضَ مِنْ حُقوقِ العَقدِ، وحُقوقَ العَقدِ تَتعلَّقُ بالعاقِدَيْنِ، فيُعتبَرُ افتِراقُهما.

ثم إنَّما يُعتبَرُ التَّفرُّقُ بالأبدانِ في مَوضِعٍ يُمكِنُ اعتِبارُه، فإنْ لَم يُمكِنِ اعتِبارُه يُعتبَرُ المَجلِسُ دونَ التَّفرُّقِ بالأبدانِ، بأنْ قالَ الأبُ: اشهَدوا أنِّي اشتَرَيتُ هذا الدِّينارَ مِنْ ابني الصَّغيرِ بعَشَرةِ دَراهِمَ، ثم قامَ قبلَ أنْ يَزِنَ العَشَرةَ فهو باطِلٌ، كذا رُويَ عن مُحمَّدٍ؛ لأنَّ الأبَ هو العاقِدُ، فلا يُمكِنُ اعتِبارُ التَّفرُّقِ بالأبدانِ، فيُعتبَرُ المَجلِسُ، واللَّهُ أعلَمُ.

ثُمَّ بَيعُ الجِنسِ بالجِنسِ، وبِخِلافِ الجِنسِ، كالذَّهبِ بالفِضَّةِ سَواءٌ، لا يَختلِفانِ في حُكمِ القَبضِ؛ لأنَّ كُلَّ ذلك صَرْفٌ، فيُشترَطُ فيه التَّقابُضُ، وإنَّما

<<  <  ج: ص:  >  >>