للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من العَدوِّ يَكونُ من المَرضِ وغيرِه، والعِبرةُ بعُمومِ اللَّفظِ لا بخُصوصِ السَببِ؛ إذِ الحُكمُ يَتبعُ اللَّفظَ، لا السَّببَ، في المَمنوعِ بسَببِ المَرضِ.

قال الكاسانيُّ : وعن الكِسائيِّ، وأبي مُعاذٍ أنَّ الإحصارَ من المَرضِ، والحَصرَ من العَدوِّ، فعلى هذا كانت الآيةُ خاصَّةً في المَمنوعِ بسَببِ المَرضِ وأمَّا قوله ﷿: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ فالجَوابُ عن التَّعلُّقِ به من وَجهَين:

أحدُهما: أنَّ الأمنَ كما يَكونُ من العَدوِّ يَكونُ من زَوالِ المَرضِ؛ لأنَّه إذا زالَ مَرضُ الإنسانِ أمِن المَوتَ منه، أو أمِن زيادةَ المَرضِ. وكذا بعضُ الأمراضِ قد تَكونُ أمانًا من بَعضٍ.

والثاني: أنَّ هذا يَدلُّ على أنَّ المُحصَرَ من العَدوِّ مُرادٌ من الآيةِ الشَّريفةِ، وهذا لا يَنفي كَونَ المُحصَرِ من المَرضِ مُرادًا بها، وما رُوي عن ابنِ عَباسٍ، وابنِ عُمرَ أنَّه إنْ ثبَت فلا يَجوزُ أنْ يُنسخَ به مُطلَقُ الكِتابِ.

وقد رُوي أنَّ رَسولَ اللهِ قال: «مَنْ كُسر أو عرِج فقَد حَلَّ وعليه الحَجُّ من قابِلٍ» (١).

وقولُه: «حَلَّ»، أي: جازَ له أنْ يَحلَّ بغيرِ دَمٍ؛ لأنَّه لم يُؤذَنْ له بذلك شَرعًا، وهو كقولِ النَّبيِّ : «إذا أقبَل اللَّيلُ من ههنا وأدبَر النَّهارُ من ههنا فقد أفطَر الصائمُ» (٢)، ومعناه: أي: حلَّ له الإفطارُ، فكذا ههنا معناه: حلَّ له أنْ يَحلَّ، ولأنَّه إنَّما صارَ مُحصَرًا من العَدوِّ، ومِن خِصالِه


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه أبو داود (١٨٦٢)، والترمذي (٩٤٠)، وابن ماجه (٣٠٧٧).
(٢) حَديثٌ صَحيحٌ: تقدَّم.

<<  <  ج: ص:  >  >>