فَرضُ الحَجِّ، ولا يَجوزُ أنْ يحُجَّ عنه في حالِ حَياتِه بحالٍ؛ بل إنْ أوصى أنْ يُحجَّ عنه بعدَ مَوتِه حُجَّ عنه من الثُّلثِ، وكان تطوُّعًا، واحتَجَّ بقولِ اللهِ تَعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ [النجم: ٣٩]، فأخبَر أنَّه ليس له إلا ما سعى، فمن قال: إنَّه له سَعيُ غيرِه فقد خالَف ظاهِرَ الآيةِ.
وبقولِه تَعالى: ﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا﴾، وهذا غيرُ مُستطيعٍ؛ لأنَّ الحَجَّ هو قَصدُ المُكلَّفِ البَيتَ بنَفسِه؛ ولأنَّها عِبادةٌ لا تَدخلُها النِّيابةُ مع العَجزِ عنها، كالصَّلاةِ.
وقال عُلماؤُنا: حَديثُ الخَثعميَّةِ ليس مَقصودُه الإيجابَ؛ وإنَّما مَقصودُه الحَثُّ على بِرِّ الوالدَين والنَّظرُ في مَصالحِهما دُنيا ودِينًا، وجَلبُ المَنفعةِ إليهما جِبلَّةً وشَرعًا، فلمَّا رَأى من المَرأةِ انفِعالًا وطَواعيةً ظاهِرةً ورَغبةً صادِقةً في بِرِّها بأبيها وحِرصِها على إيصالِ الخَيرِ والثَّوابِ إليه، وتأسَّفت أنْ تَفوتَه بَرَكةُ الحَجِّ أجابَها إلى ذلك، كما قال للأُخرى التي قالت:«إنَّ أمِّي نذَرت أنْ تحُجَّ فلم تحُجَّ حتى ماتَت، أفَأحُجُّ عنها؟ قال: نعَم، حُجِّي عنها، أرَأيتِ لو كان على أمِّكِ دَينٌ، أكُنتِ قاضيَتَه؟ قالت: نَعمْ»(١).
في هذا ما يَدلُّ على أنَّه من بابِ التطوُّعاتِ وإيصالِ البِرِّ والخَيراتِ لِلأمواتِ، ألا تَرى أنَّه قَدْ شبَّه فِعلَ الحَجِّ بالدَّينِ، وبِالإجماعِ لو ماتَ مَيِّتٌ وعليه دَينٌ لم يَجبْ على وَلِيِّه قَضاؤُه من مالِه، فإنْ تَطوَّعَ بذلك تَأدَّى الدَّينُ عنه.