فيُفطِرُ الحاجِمُ لِهذا كما يَنتَقِضُ وُضوءُ النائِمِ وإنْ لم يَستيقِنْ خُروجَ الرِّيحِ منه؛ لأنَّه يَخرُجُ ولا يَدري، وكذلك الحاجِمُ قد يَدخُلُ الدَّمُ في حَلقِه وهو لا يَدري، وأمَّا الشارِطُ فليس بحاجِمٍ، وهذا المَعنى مُنتَفٍ فيه، فلا يُفطِرُ الشارِطُ، وكذلك لو قُدِّر حاجِمٌ لا يَمُصُّ القارَورةَ بل يَمتَصُّ غَيرَها أو يأخُذُ الدَّمَ بطَريقٍ أُخرى لم يُفطِرْ.
والنَّبيُّ ﷺ كَلامُه خرَج على الحاجِمِ المَعروفِ المُعتادِ، وإذا كان اللَّفظُ عامًّا وإنْ كان قَصدُه شَخصًا بعَينِه فيَشترِكُ في الحُكمِ سائِرُ النَّوعِ لِلعادةِ الشَّرعيَّةِ من أنَّ ما ثبَت في حَقِّ الواحِدِ من الأُمَّةِ ثبَت في حَقِّ الجَميعِ فهذا أبلَغُ، فلا يَثبُتُ بلَفظِه ما يَظهَرُ لَفظًا ومَعنًى أنَّه لم يَدخُلْ فيه مع بُعدِه عن الشَّرعِ والعَقلِ واللهُ ﷾ أعلَمُ (١).
وقال ابنُ رُشدٍ ﵀: وأمَّا الحِجامةُ؛ فإنَّ فيها ثَلاثةَ مَذاهِبَ، قَومٌ قالوا: إنَّها تُفطِرُ وإنَّ الإمساكَ عنها واجِبٌ، وبه قال أحمدُ وداودُ والأوزاعيُّ وإسحاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ، وقَومٌ قالوا: إنَّها مَكروهةٌ لِلصَّائِمِ وليست تُفطِرُ، وبه قال مالِكٌ والشافِعيُّ والثَّوريُّ، وقَومٌ قالوا: إنَّها غَيرُ مَكروهةٍ ولا مُفطِرةٍ، وبه قال أبو حَنيفةَ وأصحابُهُ.
(١) «مجموع الفتاوي» (٢٥/ ٢٥٨، ٢٥٧)، و «تحفة الفقهاء» (١/ ٣٦٨)، و «المبسوط» (٣/ ٥٧)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٣٣٠)، و «الاستذكار» (٣/ ٣٢٤) وما بعدها، و «شرح الزرقاني» (٢/ ٢٣٥)، و «منح الجليل» (٢/ ١٤٥)، و «الذخيرة» (٢/ ٥٠٦)، و «المجموع» (٧/ ٥٩٠، ٥٧٨)، و «مغني المحتاج» (١/ ٤١٣)، و «المغني» (٤/ ١٥٥)، و «كشاف القناع» (٢/ ٣١٩)، و «الإفصاح» (١/ ٣٩١).