وذلك أنَّا إنْ قُلنا: إنَّ الأصلَ هو ألَّا يَلزَمَ قَضاءٌ حتى يَدُلَّ الدَّليلُ على ذلك وجَب أنْ يَكونَ النِّسيانُ لا يُوجِبُ القَضاءَ في الصَّومِ إذ لا دَليلَ ههنا على ذلك بخِلافِ الأمرِ في الصَّلاةِ.
وإنْ قُلنا: إنَّ الأصلَ هو إيجابُ القَضاءِ حتى يَدُلَّ الدَّليلُ على رَفعِه عن الناسي؛ فقد دَلَّ الدَّليلُ في حَديثِ أبي هُرَيرةَ على رَفعِه عن الناسي، اللَّهمَّ إلا أنْ يَقولَ قائِلٌ: إنَّ الدَّليلَ الذي استَثنَى ناسيَ الصَّومِ من ناسي سائِرِ العِباداتِ التي رُفِع عن تارِكها الحَرجُ بالنَّصِّ هو قياسُ الصَّومِ على الصَّلاةِ لكنَّ إيجابَ القَضاءِ بالقياسِ فيه ضَعفٌ، وإنَّما القَضاءُ عندَ الأكثرِ واجِبٌ بأمرٍ مُتجدِّدٍ، وأمَّا مَنْ أوجَب القَضاءَ والكَفَّارةَ على المُجامِعِ ناسيًا فضَعيفٌ؛ فإنَّ تأثيرَ النِّسيانِ في إسقاطِ العُقوباتِ بَيِّنٌ في الشَّرعِ، والكَفَّارةُ من أنواعِ العُقوباتِ وإنَّما أصارَهم إلى ذلك أخذُهم بمُجمَلِ الصِّفةِ المَنقولةِ في الحَديثِ، أعني مِنْ أنَّه لم يَذكُرْ فيه أنَّه فعَل ذلك عَمدًا ولا نِسيانًا، لكنَّ مَنْ أوجَبَ الكَفَّارةَ على قاتِلِ الصَّيدِ ناسيًا لم يَحفَظْ أصلَه في هذا، مع أنَّ النَّصَّ إنَّما جاء في المُتعمِّدِ، وقد كان يجب على أهلِ الظاهِرِ أنْ يأخُذوا بالمُتَّفَقِ عليه، وهو إيجابُ الكَفَّارةِ على العامِدِ إلى أنْ يَدُلَّ الدَّليلُ على إيجابِها على الناسي أو يأخُذوا بعُمومِ قَولِه ﵊:«رُفِعَ عن أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ» حتى يَدُلَّ الدَّليلُ على التَّخصيصِ، ولكنْ كِلا الفَريقَيْن لم يَلزَمْ أصلَه، وليس في مُجمَلِ ما نُقِل من حَديثِ الأعرابيِّ حُجَّةً، ومَن قال مِنْ أهلِ الأُصولِ: إنَّ تَركَ التَّفصيلِ في