للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالوا: ليسَ لِلإمامِ أنْ يَقطعَ ما لا غِنى لِلمسلِمينَ عنه من المَعادنِ الظاهِرةِ، وهي ما كانَ جَوهرُها الذي أودَعه اللهُ في جَواهرِ الأرضِ بارِزًا كمَعادِنِ المِلحِ والكُحلِ والقارِ والنِّفطِ، فلو أقطَعَ هذه المَعادنَ الظاهِرةَ لم يَكنْ لأَقطاعِها حُكمٌ، بل المُقطَعُ وغَيرُه سَواءٌ، فلو منَعَهم المُقطِعُ كانَ بمَنعِه مُتعدِّيًا، وكان لِما أخَذَه مالِكًا؛ لأنَّه مُتعَدٍّ بالمَنعِ لا بالأخذِ، وكُفَّ عن المَنعِ وصُرِف عن مُداوَمةِ العَملِ لِئلَّا يَشتبهَ أَقطاعُه بالصِّحةِ أو يَصيرَ منه في حُكمِ الأَملاكِ المُستقِرَّةِ (١).

وذهَبَ المالِكيةُ في قَولٍ إلى أنَّ المَعادِنَ أمرُها لِلإمامِ يَتصرَّفُ فيها بما يَرى أنَّه المَصلَحةُ، وليسَت بتَبعِ الأرضِ التي هي فيها، مَملوكةً كانَت أو غيرَ مَملوكةٍ، ولِلإمامِ أنْ يُقطِعَها لمَن يَعمَلُ فيها بوَجهِ الاجتِهادِ حَياةَ المُقطِعِ له أو مُدةً ما من الزَّمانِ من غيرِ أنْ يَملكَ أصلَها ويَأخذَ منها الزَّكاةَ على كلِّ حالٍ على ما جاءَ عن النَّبيِّ من أنَّه: «أَقطَعَ بِلالَ بنَ الحارِثِ المُزنِيَّ مَعادِنَ القَبلِيَّةِ وهي من ناحِيةِ الفَرعِ، فتلك المَعادِنُ لَا يُؤخَذُ منها إلا الزَّكاةُ إلى اليَومِ» (٢). إلا أنْ تَكونَ في أرضِ قَومٍ صالَحوا عليها، فيَكونوا أحَقَّ بها يُعامَلونَ فيها كيف شاؤُوا، فإنْ أسلَموا رجَعَ أمرُها إلى الإمامِ، هذا ما يَراه ابنُ القاسِمِ، ورِوايَتُه عن مالِكٍ ووِجهةُ هذا القَولِ أنَّ المَعادِنَ التي في جَوفِ الأرضِ أقدَمُ من مالِكِ المالِكينَ لها، فلم يُجعَلْ ذلك مِلكًا لهم بمِلكِ الأرضِ؛ إذْ هو ظاهِرُ قَولِ اللهِ تَعالى: ﴿إِنَّ الْأَرْضَ


(١) «الدر المختار» (٥/ ٢٧٨، ٢٧٩).
(٢) حَديثٌ ضَعيفٌ: رواه أبو داود (٣٠٦١)، ومالك في «الموطأ» (٥٨٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>