ذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ -وهو رِوايةٌ عن الإمامِ أحمدَ- إلى أنَّ الماءَ المُستعمَلَ الذي قد تُوُضِّئَ به مَرةً لا يُتوضَّأُ به، ومَن تَوضَّأ به أعادَ أبَدًا؛ لأنَّه ليسَ بماءٍ مُطلَقٍ، ويَتيممُ واجِدُه؛ لأنَّه ليسَ بواجِدِ ماءٍ.
وذهَبَ الإمامُ مالِكٌ إلى أنَّه لا يُتوضَّأُ به إذا وُجدَ غيرُه وقالَ: لا خَيرَ فيه؛ فإنْ لم يَجدْ غيرَه توَضَّأ به ولم يَتيممْ؛ لأنَّه ماءٌ طاهِرٌ لم يُغيرْه شَيءٌ.
وذهَبَ الإمامُ أحمدُ في الرِّوايةِ الثانيةِ إلى أنَّه طاهِرٌ مُطهِّرٌ يَجوزُ الوُضوءُ به.
أمَّا الماءُ الذي استُعملَ في التَّبريدِ والتَّنظيفِ فإنَّه باقٍ على إطلاقِه يَجوزُ التَّطهُّرُ به بلا خِلافٍ بينَ الفُقهاءِ (١).
(١) «التمهيد» (٤/ ٤٢، ٤٣)، و «الأوسط» (١/ ٢٨٥)، و «نيل الأوطار» (١/ ٦٣)، و «المغني» (١/ ٤٦)، وقالَ الحافِظُ ابنُ حَجرٍ في «الفتح» (١/ ٤١٤)، وهو يَشرحُ حَديثَ أبي هُرَيرةَ: «لا يَبولَنَّ أحدُكم في الماءِ الدائِمِ ولا يَغتسلْ فيه من الجَنابةِ، قيلَ: كيف يَفعلُ يا أبا هُرَيرةَ؟ قالَ يَتناوَلُه تَناوُلًا» فدَلَّ على أنَّ المَنعَ من الانغِماسِ فيه لئلَّا يَصيرَ مُستعمَلًا فيَمتنعَ عن الغيرِ الانتِفاعُ به، والصَّحابِيُّ أعلَمُ بموارِدِ الخِطابِ من غيرِه، وهذا مِنْ أَقوى الأدِلةِ على أنَّ المُستعمَلَ غيرُ طَهورٍ.