للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أيضًا: واتَّفَقوا على أنَّ المُستعمَلَ في الغَسلةِ الرابِعةِ ليسَ بمُستعمَلٍ؛ لأنَّها ليسَت بنَفلٍ (١).

وفرَّقَ الشافِعيةُ بينَ الماءِ القَليلِ الذي لم يَبلغْ قُلَّتينِ، وبينَ الكَثيرِ الذي بلَغَ قُلَّتينِ فأكثَرَ.

فالصَّحيحُ من المَذهبِ أنَّ القَليلَ من الماءِ المُستعمَلِ طاهِرٌ في نَفسِه؛ لأنَّ السَّلفَ الصالِحَ كانوا لا يَحتَرزونَ عنه، ولا عما يَتقاطرُ عليهم منه.

فعن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ قالَ: «جاءَ رَسولُ اللهِ يَعودُني وأنا مَريضٌ لا أَعقِلُ، فتَوضَّأَ وصَبَّ علَيَّ من وَضُوئِه فعَقَلتُ» (٢).

ولكنَّه غيرُ طَهورٍ، فلا يَرفعُ حَدثًا ولا يُزيلُ نَجسًا؛ لأنَّ السَّلفَ مع قِلةِ مياهِهم لم يَجمَعوا الماءَ المُستعمَلَ ثانيةً بل انتَقَلوا إلى التَّيممِ، كما لم يَجعَلوه للشُّربِ؛ لأنَّه مُستقذَرٌ.

فإن جُمعَ الماءُ المُستعمَلُ فبلَغَ قُلَّتينِ فطَهورٌ على الأصَحِّ (٣).

قالَ الشِّربينيُّ: واختُلفَ في عِلةِ مَنعِ استِعمالِ الماءِ المُستعمَلِ فقيل: وهو الأصَحُّ: إنَّه غيرُ مُطلَقٍ، كما صحَّحَه النَّوويُّ وغيرُه (٤) (٥).


(١) «المجموع شرح المهذب» (٢/ ١٣٩).
(٢) رواه البخاري (١٩٤)، ومسلم (١٦١).
(٣) «مغني المحتاج» (١/ ٨٢، ٨٣)، و «المجموع» (٢/ ١٣٨، ١٤٢).
(٤) «مغني المحتاج» (١/ ٨٢، ٨٣)، و «المجموع» (٢/ ١٣٨، ١٤٢).
(٥) وقالَ الحِصنيُّ في «كفاية الأخيار» (٥٤): الصَّحيحُ أنَّه تأدَّى به فَرضٌ، وقيلَ: إنَّه تَأدَّى به عِبادةٌ، وتَظهَرُ فائِدةُ الخِلافِ في صَورتَين:
الأُولى: في ماءٍ استُعمِلَ في نَفيِ الطَّهارةِ كتَجديدِ الوُضوءِ والأَغسالِ المَسنونةِ وماءِ الغَسلةِ الثانيةِ والغَسلةِ الثالِثةِ فعلى الصَّحيحِ: يَكونُ الماءُ طَهورًا؛ لأنَّه لم يَتأدَّى به فَرضٌ، وعلى الضَّعيفِ: لا يَكونُ طَهورًا؛ لأنَّه تَأدَّى به عِبادةٌ، ولا خِلافَ أنَّ ماءَ الرابِعةِ طَهورٌ؛ لأنَّه لم يَتأدَّ به فَرضٌ ولا هي مَشروعةٌ، والغَسلةُ الأُولى (أي: ماءُ الغَسلةِ الأُولى) غيرُ طَهورٍ على العِلَّتينِ؛ لتَأدِّي الفَرضِ والعِبادةِ بمائِها.
الصُّورةُ الثانيةُ: الماءُ الذي اغتسَلَت به الكِتابيةُ عن حَيضٍ لتَحلَّ لزَوجِها المُسلمِ هل هو طَهورٌ؟ يَنبَني على أنَّها لو أسلَمَت هل يَلزمُها إِعادةُ الغُسلِ؟ وفيه خِلافٌ إنْ قُلنا: لا يَلزمُها فهو غيرُ طاهِرٍ، وإنْ قُلنا: يَلزمُها إِعادةُ الغُسلِ -وهو الصَّحيحُ- ففي الماءِ الذي استَعملَته حالَ الكُفرِ وَجهانِ مَبنيانِ على العِلَّتَين: إنْ قُلنا: إنَّ العِلةَ تَأدِّي الفَرضِ فالماءُ غيرُ طَهورٍ، وإنْ قُلنا: إنَّ العِلةَ تَأدِّي العِبادةِ فهو طَهورٌ؛ لأنَّ الكافِرةَ ليسَت من أهلِ العِبادةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>