وأمَّا مَنعُه من العَملِ بما أدَّى اجتِهادُه إليه فلا شَكَّ فيه، لأنَّا نَقولُ: إذا عمِلَ به هو فاسِدٌ، ولهذا نَقولُ: إذا تزوَّجَ بغيرِ وَليٍّ فهو نِكاحٌ فاسِدٌ، وإذا شرِبَ النَّبيذَ فهو شرِبَ حَرامًا، وما أشبَهَ ذلك.
وأمَّا حُكمُ الحاكِمِ فإنَّ المُسلِمينَ أجمَعوا على أنَّه لا يُنقضُ إذا لم يَكُنْ مُخالِفًا لنَصٍّ أو إِجماعٍ أو قياسٍ مَعلومٍ، والمَنعُ من نَقضِه لا يَدلُّ على أنَّه كانَ له أنْ يَحكمَ به لأنَّه لا يَمتنعُ أنْ يَكونَ مَمنوعًا من الحُكمِ، فإذا حكَمَ به وقَعَ مَوقعَ الصَّحيحِ الجائِزِ كما نَقولُ في البَيعِ في حالِ النِّداءِ للجُمعةِ، والصَّلاةِ في الدارِ المَغصوبةِ والطَّلاقِ في حالِ الحَيضِ.
فإنْ قيلَ: مِثلُ هذا لا يَمتنعُ لكنْ ما الذي يَدلُّ عليه؟ فالجَوابُ عنه: أنَّ الدَّليلَ ما ذكَرناه من إِجماعِ الأُمةِ على أنَّه لا يَجوزُ نَقضُه.
ولأنَّ في نَقضِ الحُكمِ فَسادًا لكَونِه ذَريعةً إلى تَسليطِ الحُكامِ بعضِهم على بَعضٍ، فلا يَشاءُ حاكِمٌ يَكونُ في قَلبِه من حاكِمٍ شَيءٌ إلا تَعقُّبَ حُكمِه بنَقضٍ فلا يَستقرُّ حُكمُه، ولا يَصحُّ لأحَدٍ مِلكٌ، وفي ذلك فَسادٌ عَظيمٌ، وإذا كانَ كذلك ثبَتَ ما ذكَرناه من هَذَينِ الطَّريقَينِ.