فإنْ قالَ: لو كانَ المُخالفُ مُخطِئًا لقاتَلوه، قيلَ: ليسَ في ذلك قِتالٌ؛ لأنَّ المُخطئَ فيه مَعذورٌ، وله على قَصدِ الصَّوابِ أجرٌ، وقد ورَدَ الشَّرعُ بذلك كما ورَدَ بالعَفوِ عن الناسي، فإذا كانَ كذلك لم يَجُزْ قِتالُه ولا تأثيمُه.
فإنْ قالَ: لم يُنقَلْ أنَّ بعضَهم خطَّأَ بعضًا ولو كانَ أحدُ القَولَينِ خَطأً والآخَرُ صَوابًا لوجَبَ أنْ يُخطِّئَ من أَصابَ الحَقَّ مَنْ لم يُصِبْه، فلمَّا لم يُنقَلْ ذلك دَلَّ على أنَّه لم يُخطِّئْه.
فالجَوابُ: أنَّه قد نُقلَ ذلك عن غيرِ واحِدٍ منهم.
فأخبَرَنا أَبو الحُسينِ أَحمدُ بنُ عُمرَ بنِ علِيٍّ القاضي بأَذْرَبِيجانَ، قالَ: أخبَرَنا مُحمدُ بنُ المُظفَّرِ، قالَ: أخبَرَنا مُحمدُ بنُ مُحمدِ بنِ سُليمانَ الباغَنديُّ، قالَ: حدَّثَنا عبدُ السَّلامِ بنُ عبدِ الحَميدِ الإِمامُ، قالَ: نا زُهيرٌ عن الحَسنِ بنِ دِينارٍ عن الحَسنِ، قالَ:«بلَغَ عُمرَ بنَ الخَطابِ أنَّ امرأةً اتَّخذَت عبدَها الرَّجلَ، يَعني فأرسَلَ إليها قالَ: وكانَ عُمرُ رَجلًا مَهيبًا فلمَّا جاءَها الرَّسولُ قالَتْ: يا وَيلَها، ما لَها ولعُمرَ، يا وَيحَها، ما لَها ولعُمرَ، فخرَجَت فضرَبَها المَخاضُ، فمَرَّت بنِسوةٍ فعَرَفنَ الذي بها، فقَذَفت بغُلامٍ فصاحَ صَيحةً ثم طُفيَ، فبلَغَ ذلك عُمرَ فجمَعَ المُهاجِرينَ والأَنصارَ فاستَشارَهم، وفي آخِرِ القَومِ رَجلٌ، فقالوا: يا أَميرَ المُؤمِنينَ إنَّما كُنْتَ مُؤدِّبًا وإنَّما أنتَ راعٍ، قالَ: ما تَقولُ أنتَ يا فُلانُ؟ قالَ: أَقولُ: إنْ كانَ القَومُ تابَعوكَ على هَواكَ فوَاللهِ ما نصَحوا لك، وإنْ يَكونوا اجتَهَدوا آراءَهم فوَاللهِ لقد أخطَأَ رأيُهم غرِمتَ يا أَميرَ المُؤمنينَ، قالَ: فعَزمتُ عليكَ لمَا قدِمتَ فقسَمتَها على قَومِك، قالَ: فقيلَ للحَسنِ: مَنْ الرَّجلُ؟ قالَ: علِيٌّ».