للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إمَّا أنْ يَكونَ القَولانِ فاسِدَينِ، وإما أنْ يَكونَا صَحيحَينِ، وإمَّا أنْ يَكونَ أحدُهما فاسدًا والآخَرُ صَحيحًا.

فلا يَجوزُ أنْ يَكونا فاسِدَينِ لأنَّه يُؤدِّي إلى اجتِماعِ الأُمةِ على الخَطأِ، ولا يَجوزُ أنْ يَكونا صَحيحَينِ لأنَّهما مُتضادَّانِ فيَمتنِعَ أنْ يَكونَ الشَّيءُ الواحِدُ حَرامًا حَلالًا، وواجِبًا غيرَ واجِبٍ، وصَحيحًا باطِلًا.

وإذا بطَلَ هذانِ القِسمانِ ثبَتَ أنَّ أحدَهما صَحيحٌ والآخَرُ فاسِدٌ، فإنْ قالَ المُخالِفُ: هما صَحيحانِ ولا يُؤدِّي إلى التَّضادِّ ولا تَستحيلُ صِحتُهما إلا أنَّ ذلك إنَّما يَستحيلُ على شَخصٍ واحِدٍ في وَقتٍ واحِدٍ، وإمَّا على شَخصَينِ أو فَريقَينِ فإنَّ ذلك لا يَستحيلُ، كما ورَدَ الشَّرعُ بإِيجابِ الصَّلاةِ على الطاهِرِ وإِسقاطِها عن الحائِضِ، ووُجوبِ إِتمامِ الصَّلاةِ على المُقيمِ، والرُّخصةِ في القَصرِ للمُسافرِ.

وعندَنا أنَّ كلَّ واحِدٍ من المُجتهِدينَ يَلزمُه ما أدَّى إليه اجتِهادُه، فيَحرمُ النَّبيذُ على مَنْ أدَّى اجتِهادُه إلى تَحريمِه، ويَحلُّ لمَن أدَّى اجتِهادُه إلى تَحليلِه، وتَجبُ النِّيةُ للوُضوءِ على مَنْ أدَّى اجتِهادُه إلى وُجوبِها، وتَسقطُ عمَّن أدَّى اجتِهادُه إلى سُقوطِها، ويَصحُّ النِّكاحُ بلا وَليٍّ في حَقِّ مَنْ أدَّى اجتِهادُه إلى صِحتِه، ويَفسُدُ في حَقِّ مَنْ أدَّى اجتِهادُه إلى فَسادِه. وإذا كانَ كذلك لم يَكُنْ فيه تَضادٌّ.

والجَوابُ: أنَّ هذا خَطأٌ لأنَّ الأدِلةَ إذا كانَت عامَّةً لم يَجُزْ أنْ يَكونَ مَدلولُها خاصًّا، والدِّلالةُ الدَّالةُ على كلِّ واحِدٍ منها عامَّةٌ في الجَميعِ فلا يَجوزُ أنْ يَكونَ حُكمُها خاصًّا، وإذا كانَت الأَحكامُ عامَّةً ثبَتَ التَّضادُّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>