للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولنا: أنه تَصحُّ هِبتُه فصَحَّت الوَصيةُ له كالذِّميِّ، وقد رُويَ «أنَّ النَّبيَّ أعطَى عُمرَ حُلةً من حَريرٍ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كَسَوتَنيها وقد قُلتَ في حُلةِ عُطارِدٍ ما قُلتَ. فقالَ: إنِّي لم أُعطِكها لتَلبسَها. فكَساها عُمرُ أخًا مُشركًا له بمَكةَ» (١).

وعن أَسماءَ بِنتِ أَبي بَكرٍ قالَت: «أتَتني أُمِّي وهي راغِبةٌ، تَعني الإِسلامَ، فسألتُ رَسولَ اللهِ فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، أتَتني أُمي وهي راغِبةٌ، أفأَصِلُها؟ قالَ: نَعَمْ» (٢)، وهذان فيهما صِلةُ أهلِ الحَربِ وبِرُّهم، والآيةُ حُجةٌ لنا فيمَن لم يُقاتِلْ، فأمَّا المُقاتِلُ فإنَّه نَهَى عن تَولِّيه لا عن بِرِّه والوَصيةِ له، وإنِ احتُجَّ بالمَفهومِ فهو لا يَراه حُجةً.

ثم قد حصَلَ الإِجماعُ على جَوازِ الهِبةِ، والوَصيةُ في مَعناها (٣).

وقالَ الحارِثيُّ: والصَّحيحُ من القَولِ أنَّه إذا لم يَتَّصفْ بالقِتالِ والمُظاهَرةِ صَحَّت، وإلا لم تَصحَّ (٤).

وقالَ القاضي عبدُ الوَهابِ المالِكيُّ: الوَصيةُ للمُشركينَ جائِزةٌ، كانوا أهلَ حَربٍ أو ذِمةٍ، وقالَ أَبو حَنيفةَ: لا تَصحُّ لأهلِ الحَربِ، فدَليلُنا


(١) أخرجه البخاري (٢٤٧٦).
(٢) أخرجه البخاري (٢٤٧٧)، ومسلم (١٠٠٣).
(٣) «المغني» (٦/ ١٢١، ١٢٢)، و «الشرح الكبير» (٦/ ٤٦٧)، و «المحرر» (١/ ٣٨٣)، و «الإنصاف» (٧/ ٢٢١)، و «كشاف القناع» (٤/ ٤٢٧)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٦٠).
(٤) «الإنصاف» (٧/ ٢٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>