للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإِمامُ شَمسُ الدِّينِ السَّرخَسيُّ: ولو أَوصَى له -أي: للحَربيِّ المُستأمَنِ- مُسلمٌ أو ذِميٌّ بوَصيةٍ جازَ ذلك؛ لأنَّه ما دامَ في دارِنا فهو في المُعامَلاتِ بمَنزلةِ الذِّميِّ بدَليلِ عُقودِ التَّمليكاتِ في حالةِ الحَياةِ.

وذكَرَ في «الأَمالي» أنَّ على قَولِ أَبي حَنيفةَ وأَبي يُوسفَ لا تَصحُّ الوَصيةُ من المُسلمِ والذِّميِّ للمُستأمَنِ؛ لأنَّه -وإنْ كانَ في دارِنا صُورةً- هو من أهلِ دارِ الحَربِ حُكمًا حتى يَتمكَّنَ من الرُّجوعِ إلى دارِ الحَربِ، أو يَكونُ لا يَتمكَّنُ من إِطالةِ المُقامِ في دارِ الإِسلامِ، ووَصيةُ مَنْ هو مِنْ أهلِ دارِ الإِسلامِ لمَن هو من أهلِ دارِ الحَربِ باطِلةٌ؛ لأنَّ لتَبايُنِ الدارَينِ تَأثيرًا في قَطعِ العِصمةِ والمُوالاةِ.

ومُحمدٌ قالَ: الوَصيةُ تَبرعٌ بالتَّمليكِ ابتِداءً بعدَ المَوتِ، فتُعتبَرُ بالتَّبرعِ في حالةِ الحَياةِ كالهِبةِ والصَّدقةِ، وذلك صَحيحٌ من المُسلمِ للمُستأمَنِ فكذلك هذا.

وإنْ أَوصَى الحَربيُّ في دارِ الحَربِ بوَصيةٍ ثم أسلَمَ أهلُ الدارِ وصاروا ذِمةً ثم اختَصَموا في تلك الوَصيةِ، فإنْ كانَت قائِمةً بعَينِها أجَزتُها، وإنْ كانَت قد استُهلِكَت قبلَ الإِسلامِ أبطَلتُها، من قِبَلِ أنِّي لا آخُذُ أهلَ الحَربِ بما اغتصَبَ بعضُهم من بعضٍ، فالمُستهلَكُ قبلَ الإِسلامِ بمَنزلةِ المَغصوبِ، والمُستهلَكُ لا ضَمانَ فيه على المُستهلِكِ، وما كانَ قائِمًا بعَينِه فالإِسلامُ المَوجودُ منه بعدَ العَقدِ قبلَ حُصولِ المَقصودِ بمَنزلةِ المُقتَرنِ بالعَقدِ فيَجبُ تَنفيذُها (١).


(١) «المبسوط» (٢٨/ ٩٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>