للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الكاسانِيُّ : ومنها ألَّا يَكونَ حَربيًّا عندَ مُستأمَنٍ، فإنْ كانَ لا تَصحُّ الوَصيةُ له من مُسلمٍ أو ذِميٍّ؛ لأنَّ التَّبرعَ بتَمليكِ المالِ إياه يَكونُ إِعانةً له على الحَربِ، وهذا لا يَجوزُ، وأمَّا كَونُه مُسلمًا فليسَ بشَرطٍ حتى لو كانَ ذِميًّا فأَوصَى له مُسلمٌ أو ذِميٌّ جازَ …

وإنْ كانَ مُستأمَنًا فأَوصَى له مُسلمٌ أو ذِميٌّ ذكَرَ في «الأَصل» أنَّه يَجوزُ؛ لأنَّه في عَهدِنا فأشبَهَ الذِّميَّ الذي هو في عَهدِنا، وتَجوزُ الوَصيةُ للذِّميِّ، وكذا الحَربيُّ المُستأمَنُ.

ورُويَ عن أَبي حَنيفةَ أنَّه لا يَجوزُ، وهذه الرِّوايةُ بقَولِ أَصحابِنا أشبَهُ؛ فإنَّهم قالوا: إنَّه لا يَجوزُ صَرفُ الكَفارةِ والنَّذرِ وصَدقةِ الفِطرِ والأُضحيةِ إلى الحَربيِّ المُستأمَنِ لمَا فيه من الإِعانةِ على الحَربِ، ويَجوزُ صَرفُها إلى الذِّميِّ؛ لأنَّا ما نَهَينا عن بِرِّ أهلِ الذِّمةِ لقَولِ اللهِ : ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ﴾ [الممتحنة: ٨]، وقيلَ: إنَّ في التَّبرعِ عليه في حالِ الحَياةِ بالصَّدقةِ والهِبةِ رِوايتَينِ عن أَصحابِنا، فالوَصيةُ له على تلك الرِّوايتَينِ أيضًا (١).

وجاءَ في «شَرح السِّيَر الكَبير» للإِمامِ مُحمدِ بنِ الحَسنِ الشَّيبانِيِّ : ووَصيةُ المُستأمنِ بجَميعِ مالِه لمُسلمٍ أو ذِميٍّ تَكونُ صَحيحةً وليسَ لوارِثِه فيها حَقُّ الرَّدِّ؛ لأنَّ حُرمةَ مالِه لحَقِّه لا لحَقِّ وارِثِه الذي في دارِ الحَربِ، ولأنَّ بُطلانَ الوَصيةِ فيما زادَ على الثُّلثِ عندَ عَدمِ إِجازةِ الوَرثةِ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٤١).

<<  <  ج: ص:  >  >>