للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنفيةُ في المُعتمَدِ عندَهم: يُستحبُّ أنْ يُوصيَ الإِنسانُ بدونِ الثُّلثِ سَواءٌ كانَ الوَرثةُ أَغنياءَ أو فُقراءَ؛ لأنَّ في التَّنقيصِ صِلةَ القَرابةِ بتَوفيرِ المالِ عليهم بخِلافِ استِكمالِ الثُّلثِ؛ لأنَّه استِيفاءُ تَمامِ الثُّلثِ فلا صِلةَ ولا مِنةَ.

قالَ في «الهِدايةِ»: ثم هل الوَصيةُ بأقَلَّ من الثُّلثِ أَولى أو تَركُها؟

قالوا: إنْ كانَت الوَرثةُ فُقراءَ ولا يَستَغنونَ بما يَرِثونَ فالتَّركُ أوْلى؛ لمَا فيه من الصَّدقةِ على القَريبِ، وقد قالَ النَّبيُّ : «إنَّ أفضَلَ الصَّدقةِ الصَّدقةُ على ذي الرَّحمِ الكاشِحِ (١)» (٢)، ولأنَّ فيه رِعايةَ حَقِّ الفَقرِ والقَرابةِ جَميعًا.

وإنْ كانوا أَغنياءَ أو يَستَغنونَ بنَصيبِهم فالوَصيةُ أوْلى؛ لأنَّه يَكونُ صَدقةً على الأَجنبيِّ، والتَّركُ هِبةٌ من القَريبِ.

والأولُ أوْلى؛ لأنَّه يَبتَغي بها وَجهَ اللهِ تَعالى، وقد قيلَ في هذا الوَجهِ: يُخيَّرُ لاشتِمالِ كلٍّ على فَضيلةٍ وهي الصَّدقةُ أو الصِّلةُ (٣).


(١) قالَ الحافظُ المُنذريُّ: الكاشحُ بالشينِ المُعجَمةِ هو الذي يُضمِرُ عَداوتَه في كشحِه وهو خَصرُه يعني: أنَّ أَفضلَ الصَّدقةِ على ذِي الرَّحمِ القاطعِ المُضمرِ العَداوةَ في باطنِه. «الترغيب والترهيب» (٢/ ١٧، ١٨).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه الإمام أَحمد في «مسنده» (١٥٣٥٥، ٢٣٥٧٧)، والدارمي في «سننه» (١٦٧٩)، وابن خزيمة في «صحيحه» (٢٣٨٦)، والبيهقي في «الكبرى» (١٣٠٠٢).
(٣) «الهداية» (٤/ ٢٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>