للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإِيفاءَ المُنجَزِ والمُعلَّقِ المُرادِ كَونُه، ومَحملُ ما يَقتضي إِجزاءُ الكَفارةِ المُعلَّقُ الذي لا يُرادُ كَونُه وهو المُسمَّى عندَ طائفةٍ مِنْ الفُقهاءِ (نَذرَ اللِّجاجِ)، ومَذهبُ أَحمدَ فيه كهذا التَّفصيلِ الذي اختارَه المُصنِّفُ.

واستَدلَّ ابنُ الجَوزيِّ في التَّحقيقِ للاكتِفاءِ في خُصوصِ هذا النَّذرِ بحَديثِ مُسلِمٍ معَ أنَّه مُطلَقٌ، وليسَ هذا إلا لمَا قُلْنا، وهذا التَّقريرُ أَولى مما قيلَ؛ لأنَّ الشَّرطَ إذا لمْ يُرَدْ كَونُه كانَ في مَعنى اليَمينِ فإنَّها تُعقَدُ للمَنعِ فأجزَأَ فيه الكَفارةُ، بخِلافِ الذي يُريدُ كَونَه فإنَّه ورَدَ على هذا التَّقريرِ أنَّ اليَمينَ كما يَكونُ للمَنعِ يَكونُ للحَملِ فلا يَختصُّ مَعناها بما لا يُرادُ كَونُه، فالفَرقُ على هذا تَحكُّمٌ» (١).

وقالَ شيخُ الإِسلامُ ابنُ تَيميةَ : «فأمَّا الحَلفُ بالنَّذرِ الذي هو (نَذرُ اللِّجاجِ والغَضبِ) مثلُ أنْ يَقولَ: «إنْ فعلْتُ كذا فعليَّ الحَجُّ، أو فمالي صَدقةٌ، أو فعليَّ صيام» يُريدُ بذلك أنْ يَمنعَ نَفسَه عن الفِعلِ أو أنْ يَقولَ: «إنْ لمْ أَفعلْ كذا فعليَّ الحَجُّ» ونحوُه فمَذهبُ أَكثرِ أَهلِ العِلمِ أنَّه يُجزئُه كَفارةُ يَمينٍ مِنْ أَهلِ مَكةَ والمَدينةِ والبَصرةِ والكُوفةِ، وهو قَولُ فُقهاءِ الحَديثِ كالشافِعيِّ وأَحمدَ وإِسحاقَ وأَبي عُبيدٍ وغيرِهم، وهذا إِحدى الرِّوايتَينِ عن أَبي حَنيفةَ، وهو الرِّوايةُ المُتأخِّرةُ عنه.

ثم اختَلفَ هؤلاءِ فأَكثرُهم قالُوا هو مُخيَّرٌ بينَ الوَفاءِ بنَذرِه وبينَ كَفارةِ يَمينٍ، وهذا قَولُ الشافِعيِّ والمَشهورُ عن أَحمدَ.


(١) «شرح فتح القدير» (٥/ ٩٢، ٩٥)، و «المبسوط» (٥/ ١٣٥، ١٣٦)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٥، ٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>