للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ رُشدٍ : واختَلَفوا فيمَن حرَّمَ على نَفسِه شَيئًا مِنْ المُباحاتِ فقالَ مالكٌ: لا يَلزمُ ما عدا الزَّوجةَ، وقالَ أهلُ الظاهرِ: ليسَ في ذلك شيءٌ، وقالَ أَبو حَنيفةَ: في ذلك كَفارةُ يَمينٍ.

وسَببُ اختِلافِهم مُعارضةُ مَفهومِ النَّظرِ لظاهِرِ قولِه تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ﴾ [التحريم: ١] وذلك أنَّ النَّذرَ ليسَ هو اعتِقادُ خِلافِ الحُكمِ الشَّرعيِّ أعنِي مِنْ تَحريمِ مُحللٍ أو تَحليلِ مُحرمٍ، وذلك أنَّ التَّصرفَ في هذا إنَّما هو للشَّارعِ فوجَبَ أنْ يَكونَ لمَكانِ هذا المَفهومِ أنَّ مَنْ حرَّمَ على نَفسِه شَيئًا أَباحَه اللهُ له بالشَّرعِ أنَّه لا يَلزمُه كما لا يَلزمُ إنْ نذَرَ تَحليلَ شيءٍ حرَّمَه الشُّرعُ وظاهرُ قولِه تَعالى: ﴿قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ﴾ [التحريم: ٢] أثرُ العتبِ على التَّحريمِ يُوجبُ أن تَكونَ الكَفارةُ تُحلُّ هذا العَقدَ وإذا كانَ ذلك كذلك فهو غيرُ لازمٍ، والفِرقةُ الأُولَى تَأولَت التَّحريمَ المَذكورَ في الآيةِ أنَّه كانَ العَقدُ بيَمينٍ.

وقد اختَلفَ في الشيءُ الذي نزَلَت فيه هذه الآيةُ.

وفي كِتابِ مُسلمٍ أنَّ ذلك كانَ في شَربةِ عَسلٍ، وفيه عن ابنِ عَباسٍ أنَّه قالَ: إذا حرَّمَ الرَّجلُ عليه امرَأتِه فهو يَمينٌ يُكفِّرُها، وقالَ: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ﴾ [الأحزاب: ٢١] (١).


(١) «بداية المجتهد» (١/ ٣١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>