للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمعتُ عائِشَةَ تَزعمُ أنَّ النَّبيَّ كانَ يَمكثُ عندَ زَينبَ بِنتِ جَحشٍ ويَشربُ عندَها عَسلًا، فتَواصَيتُ أَنا وحَفصةُ أنَّ أيَّتَنا دخَلَ عليها النَّبيُّ فلتَقلْ: إنِّي أَجدُ منك رِيحَ مَغافيرَ، أكَلتَ مَغافيرَ؟ فدخَلَ على إِحداهِما، فقالَت ذلك له، فقالَ: لا بَلْ شَربتُ عَسلًا عندَ زَينبَ بِنتِ جَحشٍ، ولَن أَعودَ له فنزَلَت: ﴿يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١)﴾ ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ﴾ لعائشةَ وحَفصةَ: ﴿وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا﴾ لقولِه بَلْ شَرِبْتُ عَسَلًا» (١). (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ إلى أنَّ مَنْ حرَّمَ على نَفسِه طَعامًا أو شَرابًا أو لِباسًا أو أَمةً أو شَيئًا مِنْ المُباحاتِ سِوى الزَّوجةِ، فلا حُكمَ لذلك ولا كَفارةَ يَمينٍ ولا غيرَها لقولِه تَعالى: ﴿لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [المائدة: ٨٧]، وقوله تَعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ (٥٩)[يونس: ٥٩]، فوصَفَ ذلك بأنَّه افتِراءٌ على وَجهِ الزَّجرِ عن فِعلِه، فدلَّ أنَّه لا كَفارةَ فيه، ولأنَّه حرَّمَ على نَفسِه مُباحًا له نَهيٌ عن تَحريمِه كاللِّباسِ والطِّيبِ، ولأنَّ كلَّ ذاتٍ لا يَصحُّ فيها الطَّلاقُ أو الإِعتاقُ فلا يَتعَلقُ بتَحريمُها حُكمٌ كاللِّباسِ، لا شيءَ عليه (٣).


(١) أخرجه البخاري (٦٦٩١)، ومسلم» (١٤٧٤).
(٢) «أحكام القرآن» (٢/ ٣٠٢)، و «الهداية» (٢/ ٧٥)، و «الاختيار» (٤/ ٦٤)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٣٢، ٣٤)، و «الكافي» (٤/ ٣٨٢)، و «الإنصاف» (١١/ ٣١)، و «الروض المربع» (٢/ ٦٠١)، و «منار السبيل» (٣/ ٤١٩، ٤٢٠).
(٣) «الإشراف على نكس مسائل الخلاف» (٤/ ٣٠٦، ٣٠٧)، و «شرح صحيح البخاري» (٦/ ١٥١)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٢٩٨)، و «شرح مختصر خليل» (٣/ ٦٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٢/ ٤١٣)، و «تحبير المختصر» (٢/ ٣٧٦)، و «الحاوي الكبير» (١٠/ ١٨٥)، و «النجم الوهاج» (٧/ ٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>