للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : ولا يَجوزُ الحَلفُ بغيرِ اللهِ وصِفاتِه نحوَ أنْ يَحلِفَ بأبِيه أو الكَعبةِ أو صَحابيٍّ أو إمامٍ، قالَ الشافِعيُّ: أَخشَى أنْ يَكونَ مَعصيةً، قالَ ابنُ عبدِ البَرِّ: وهذا أَصلٌ مُجمَعٌ عليه، وقيلَ: يَجوزُ ذلك لأنَّ اللهَ تَعالى أَقسَمَ بمَخلوقاتِه (١).

وأما الشافِعيةُ فقالوا: إذا حلَفَ بغيرِ اللهِ؛ بأنْ حلَفَ بأبِيه، أو بالنَّبيِّ ، أو بالكَعبةِ، أو بأحدٍ مِنْ الصَّحابةِ .. فلا يَخلو مِنْ ثَلاثةِ أَقسامٍ:

أحدُها: أنْ يَقصِدَ بذلك قَصدَ اليَمينِ، ولا يَعتقِدُ في المَحلوفِ به مِنْ التَّعظيمِ ما يَعتقِدُه باللهِ تَعالى، فهذا يُكرهُ له ذلك، ولا يَكفُرُ؛ لما رَوى أَبو هُريرةَ: أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لا تَحلِفوا بآبائِكم، ولا بأُمهاتِكم، ولا بالأَندادِ، ولا تَحلِفوا إلا باللهِ، ولا تَحلِفوا باللهِ إلا وأنتم صادِقونَ» (٢).

ورُويَ أنَّ النَّبيَّ أَدركَ عُمرَ وهو في رَكبٍ، وهو يَحلفُ بأبِيه، فقالَ له النَّبيُّ : «إنَّ اللهَ يَنهاكم أنْ تَحلِفوا بآبائِكم، فمَن كانَ حالِفًا .. فليَحلِفْ باللهِ، أو ليَسكُتْ». قالَ عُمرُ: فما حلَفتُ بها بعدَ ذلك ذاكِرًا ولا آثِرًا» (٣).

فمَعنى قولِه: (ذاكِرًا) أَذكُرُه عن غيرِي.

ومَعنى قولِه: (آثرا) أيْ: حاكِيًا عن غيرِي، يُقالُ: آثرَ الحَديثَ: إذا رَواه.

ولأنَّه يُوهِمُ في الظاهِرِ التَّسويةَ بينَ المَحلوفِ به وبينَ اللهِ ﷿، فكُرهَ.


(١) «المغني» (٩/ ٣٨٥، ٣٨٦)، و «منار السبيل» (٣/ ٤١٢).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٢٤٨)، والنسائي في «السنن الكبرى» (٤٧١٠).
(٣) أخرجه البخاري (٦٢٧٠، ٦٢٧١)، ومسلم (١٦٤٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>