للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خرَجَت بعدَ ذلك لا يَحنَثُ استِحسانًا؛ لأنَّ دِلالةَ الحالِ تَدلُّ على التَّقييدِ بتلك الخَرجةِ كأنَّه قالَ: «إنْ خرَجتِ هذه الخَرجةَ فأنتِ طالقٌ».

ولو قالَ لها: إنْ خرَجتِ مِنْ هذه الدارِ على الفورِ أو في هذا اليومِ فأنتِ طالقٌ بطَلَ اعتِبارُ الفَورِ؛ لأنَّه ذكَرَ ما يَدلُ على أنَّه ما أَرادَ به الخَرجةَ المَقصودَ إليها وإنَّما أَرادَ الخُروجَ المُطلَقَ عن الدارِ في اليومِ حيثُ زادَ على قَدرِ الجَوابِ.

وعلى هذا يَخرجُ ما إذا قيلَ له: «إنكَ تَغتَسلُ اللَّيلةَ في هذه الدارِ مِنْ جَنابةٍ» فقالَ: «إنِ اغتَسلتُ فعبدِي حرٌّ» ثم اغتَسلَ لا عن جَنابةٍ ثم قالَ: «عَنيتُ به الاغتِسالَ عن جَنابةٍ» أنَّه يُصدَّقُ؛ لأنَّه أَخرَجَ الكَلامَ مَخرجَ الجَوابِ ولَم يَأتِ بما يَدلُّ على إِعراضِه عن الجَوابِ فيُقيدُ بالكَلامِ السابِقِ ويَجعَلُ كأنَّه إِعادةٌ (١).

وقالَ المالِكيةُ: فإنْ لَم يَكنْ للحالِفِ نِيةٌ أو كانَت ونسِيَ ضَبطَها فإنَّه يَنْظُرُ في ذلك إلى بِساطِ يَمينِه، وهو السَّببُ الحامِلُ على اليَمينِ فيَعمَلُ عليه مِنْ تَخصِيصِ أو تَقييدٍ كما يَعملُ على النِّيةِ مِنْ بِرٍّ أو حِنثٍ فيما يَنوِي فيه وغيرُه وليسَ بانتِقالٍ عن النِّيةِ في الحَقيقةِ إنَّما هو مَظِنةٌ لها وتَحويمٌ عليها بحَيثُ إذا تَذكَّرَها الحالِفُ وجَدَه مُناسِبًا لها؛ لأنَّه نِيةٌ حُكمِيةٌ مَحُفوفةٌ بالقَرائنِ، وضَابطُ صِحةِ تَقييدِ يَمينِه بقولِه: «ما دامَ هذا الشَّيءُ أيِ الحامِلُ على اليَمينِ مَوجودًا» كحَلفِه: «لا أَشتَرِي لَحمًا أو لا أَبيعُ في السُّوقِ لزَحمةٍ»


(١) «بدائع الصنائع» (٣/ ١٣)، و «المبسوط» (٨/ ١٣١)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ٩، ١٠)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٧٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>