«يا أيُّها الناسُ، لا تَمنَعْكم اليَمينُ مِنْ حُقوقِكم؛ فوالذي نَفسي بيدِه إنَّ في يَدي لعَصا».
ورَوى عُمرُ بنُ شَبةَ في كتابِ قُضاةِ البَصرةِ بإِسنادِه عن الشَّعبيِّ أنَّ عُمرَ وأُبيًّا تَحاكَما إلى زَيدٍ في نَخلٍ ادَّعاه أُبيٌّ فتَوجَّهَت اليَمينُ على عُمرَ فقالَ زَيدٌ: أَعفِ أَميرَ المُؤمِنينَ، فقالَ عُمرُ: ولِم يُعفي أَميرَ المُؤمِنينَ؟ إن عرَفتُ شَيئًا استَحقَقتُه بيَميني وإلا ترَكتُه، واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو إنَّ النَّخلَ لنَخلي وما لأُبيٍّ فيه حقٌّ، فلما خرَجا وهَبَ النَّخلَ لأُبيٍّ، فقيلَ له: يا أَميرَ المُؤمِنينَ هلَّا كانَ هذا قبلَ اليَمينِ؟ فقالَ: خِفتُ أنْ لا أَحلِفَ فلا يَحلِفُ الناسُ على حُقوقِهم بَعدي فيَكونُ سُنةً»، ولأنَّه حَلفَ صِدقٍ على حقٍّ فأشبَه الحَلفَ عندَ غيرِ الحاكمِ.
الرابعُ: المَكروهُ: وهو الحَلفُ على فِعلِ مَكروهٍ أو تَركِ مَندوبٍ، قالَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَا تَجْعَلُوا عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ﴾ [البقرة: ٢٢٤].
ورُويَ أنَّ أَبا بكرٍ الصِّديقَ ﵁ حلَفَ لا يُنْفِقُ على مِسطحٍ بعدَ الذي قالَ لعائشةَ ما قالَ وكانَ من جُملةِ أَهلِ الإِفكِ الذين تَكلَّموا في عائشةَ ﵂ فأَنزلَ اللهُ تَعالى: ﴿وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا﴾ [النور: ٢٢].
وقيلَ: المُرادُ بقولِه ﴿وَلَا يَأْتَلِ﴾ [النور: ٢٢] أيْ: لا يَمتَنعُ، ولأنَّ اليَمينَ على ذلك مانِعةٌ من فعلِ الطاعةِ أو حاملةٍ على فِعلِ المَكروهِ فتَكونُ مَكروهةً.
فإن قيلَ: لو كانَت مَكروهةً لأَنكرَ النَّبيُّ ﷺ على الأَعرابيِّ