والثانِي: ليسَ بمَندوبٍ إليه؛ لأنَّ النَّبيَّ ﷺ وأَصحابه لَم يَكونوا يَفعلونَ ذلك في الأَكثرِ الأَغلبِ ولا حنَثَ النَّبيُّ ﷺ أحدًا عليه ولا ندَبَه إليه ولو كانَ ذلك طاعةً لَم يَخلوا به ولأنَّ ذلك يَجري مَجرى النَّذرِ وقد نَهى النَّبيُّ ﷺ عن النَّذرِ وقالَ:«إنَّه لا يَأتِي بخَيرٍ وإنَّما يُستخرَجُ به مِنْ البَخيلِ»(١) مُتفقٌ عليه.
الثالثُ: المُباحُ: مثلُ الحَلفِ على فِعلٍ مُباحٍ أو تَركِهِ والحَلفِ على الخبَرِ بشيءٍ هو صادقٌ فيه أو يَظنُّ أنَّه فيه صادقٌ؛ فإنَّ اللهَ تَعالى قالَ: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥] ومِن صُورِ اللَّغو أن يَحلِفَ على شيءٍ يَظنُّه كما حلَفَ عليه ويَبينُ بخِلافِه.
فأما الحَلفُ على الحُقوقِ عندَ الحاكمِ ففيه وَجهانِ:
أَحدُهما: أنَّ تَركَه أَولى مِنْ فِعلِه فيَكونُ مَكروهًا، ذكَرَ ذلك أَصحابُنا وأَصحابُ الشافِعيِّ؛ لِما رُويَ أنَّ عُثمانَ والمِقدادَ تَحاكَما إلى عُمرَ في مالٍ استَقرضَه المِقدادُ فجعَلَ عُمرُ اليَمينَ على المِقدادِ فرَدَّها على عُثمانَ فقالَ عُمرُ: لقد أَنصفَك فأخَذَ عُثمانُ ما أَعطاه المِقدادُ ولَم يَحلفْ، فقالَ: خِفتُ أنْ يُوافِقَ قَدرٌ بَلاءً فيُقالُ بيَمينِ عُثمانَ.
والثانِي: أنَّه مُباحٌ فِعلُه كتَركِه؛ لأنَّ اللهَ تَعالى أمَرَ نَبيَّه بالحَلفِ على الحقِّ في ثَلاثةِ مَواضعَ.
ورَوى مُحمدُّ بنُ كَعبٍ القُرظيُّ أنَّ عُمرَ قالَ على المِنبَرِ وفي يدِه عَصا: