وقد ثبَتَ عن أَبي بَكرٍ وعُمرَ وعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ وابنِ عَباسٍ ومُعاويةَ المَنعُ مِنْ ذلك، ولا يُعرفُ لهم في الصَّحابةِ مُخالفٌ.
فذكَرَ البَيهقيُّ وغيرُه عن أَبي بَكرٍ الصِّديقِ أنَّه قالَ:«لو وجَدتُ رَجلًا على حدٍّ مِنْ حُدودِ اللهِ لمْ أَحدَّه حتى يَكونَ معي غيري».
وعن عُمرَ أنَّه قالَ لعَبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ:«أَرأيتَ لو رَأيتُ رَجلًا يَقتلُ أو يَسرقُ أو يَزني؟ قالَ: أَرى شَهادتَكَ شَهادةَ رَجلٍ مِنْ المُسلِمينَ. قالَ: أصبْتَ». وعن عليٍّ نَحوُه.
وهذا مِنْ كَمالِ فِقهِ الصَّحابةِ ﵃ فإنَّهم أَفقهُ الأُمةِ وأَعلمُهم بمَقاصدِ الشَّرعِ وحُكمِه، فإنَّ التُّهمةَ مُؤثِّرةٌ في بابِ الشَّهاداتِ والأَقضيةِ وطَلاقِ المَريضِ وغيرِ ذلك، فلا تُقبلُ شَهادةُ السَّيدِ لعَبدِه، ولا العَبدِ لسَيدِه، ولا شَهادةُ الوالدِ لوَلدِه وبالعَكسِ، ولا شَهادةُ العَدوِّ على عَدوِّه، ولا يُقبلُ حُكمُ الحاكم لنَفسِه، ولا يَنفذُ حُكمُه على عَدوِّه، ولا يَصحُّ إِقرارُ المَريضِ مَرضَ المَوتِ لوارثِه ولا لأَجنبيٍّ عند مالكٍ إذا قامَتْ شَواهدُ التُّهمةِ، ولا تُمنعُ المَرأةُ الميراثَ بطَلاقِه لها لأَجلِ التُّهمةِ، ولا يُقبلُ قَولُ المَرأةِ على ضُرتِها أنَّها أرضعَتْها، إلى أَضعافِ ذلك مما يُردُّ ولا يُقبلُ للتُّهمةِ، ولذلك منَعْنا في مَسألةِ الظَّفرَ أنْ يَأخذَ المَظلومُ مِنْ مالِ ظالمِه نَظيرَ ما خانَه فيه لأَجلِ التُّهمةِ، وإنْ كانَ إنما يَستوفي حقَّه.
ولقد كانَ سَيدُ الحُكامِ -صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه- يَعلمُ مِنْ المُنافِقينَ ما يُبيحُ دِماءَهم وأَموالَهم، ويَتحققُ ذلك ولا يَحكمُ فيهم بعِلمِه معَ بَراءتِه عندَ اللهِ ومَلائكتِه وعِبادِه المُؤمنينَ مِنْ كلِّ تُهمةٍ؛ لئلا يَقولَ الناسُ: «إنَّ